ترامب يفضح الدافع الحقيقي وراء حماسه المفرط لتأديب الحيوان وتهديد الروس

ساعتان و3 دقائق فقط كانت المدة الفاصلة بين تغريدة الرئيس الأمريكي "ترامب" المتضمنة تهديدات واضحة لروسيا جراء دعمها "الحيوان" بشار، وتلك التغريدة التي نشرها "ترامب" نفسه عن مسار التحقيقات بشأن علاقة روسيا بوصوله إلى البيت الأبيض.

مدة زمنية قصيرة للغاية بين التغريديتين، كانت كافية لكشف واحد من أهم الدوافع التي تقف وراء "حماس" الرئيس الأمريكي الزائد تجاه ضرب بشار وتأديبه، بل وحتى تجاه تحدي روسيا وتوعدها علنا بالصواريخ، في تصريح يمكن إعادته إلى زمن أزمة "خليج الخنازير"، الأزمة التي وضعت واشنطن وموسكو (الشيوعية) على شفا حرب شاملة ومدمرة، ستينات القرن الماضي.

وقد كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن مساعي "ترامب" لتغطية حقيقة علاقته بروسيا وتدخلها لصالح توصيله إلى سدة الحكم في أمريكا، وأن "الأزمة السورية"، لاسيما استخدام الكيماوي، ستكون بمثابة فرصة ذهبية تتيح لـ"ترامب" الحصول على "إثبات عملي" يظهره خصما بل عدوا لدودا لروسيا، و"يُخرس" جميع من يلوحون ليل نهار بملف تواطئه مع موسكو.

واليوم ومع التغريدتين المتلاحقتين، يتضح أن "ترامب" أوقع نفسه بما كان يحاذر طويلا نفيه والتملص منه، حين كان يصر على أنه الرئيس المنتخب بأصوات الأمريكيين وليس بتلاعب الروس وتدخلهم الفاقع في مجرى الانتخابات الأمريكية.

ففي التغريدة الأولى التي نشرها قبل ساعات على حسابه، قال "ترامب" حرفيا: "روسيا تتعهد بإسقاط أي صاروخ، بل جميع الصواريخ التي تطلق على سوريا. استعدي يا روسيا، لأن هذه الصواريخ قادمة، جميلة وجديدة و "ذكية!"، لا ينبغي أن تكونوا شركاء مع الحيوان مجرم الغاز (يقصد بشار الأسد) الذي يقتل شعبه ويستمتع بذلك!".

وفي التغريدة الأخرى بعد ساعتين من التغريدة الأولى، قال "ترامب": "مزيد من الدم الفاسد في العلاقات مع روسيا ناجم عن التحقيقات المزيفة والمفلسة، التي يتزعمها جميع الموالين للديمقراطيين (الحزب الديمقراطي)، أو الأشخاص الذين عملوا لصالح أوباما (رئيس من الحزب الديمقراطي).... ليس هناك تواطؤ (يقصد تواطؤه مع روسيا)، لذلك هم على وشك الجنون!".

والملاحظ أن "ترامب" ألحق تهديده لروسيا بتغريدة عن التحقيقات التي تتعلق بتواطئه مع موسكو، فأثبت ما كان يحاول نفيه عن نفسه، وأعطى دليلا إضافيا لمن يبحثون عن أي شيء يدينه في قضية التلاعب بأصوات وتوجهات الناخب الأمريكي، بمساعدة وتوصيات الروس طبعا.
ولأن قضية الانتخابات الأمريكية وتأثير الروس عليها وتدخلهم فيها أمر معقد وشائك للغاية، وهو في النهاية شأن أمريكي، فإن ما يهمنا هنا هو تسليط الضوء عن علاقة التغريدات بالوضع السوري، واتخاذ سوريا منصة لتصفية الحسابات ودفع الشبهات، كما جرى اتخاذها خلال السنوات الماضية ساحة لتمرير الصفقات وحقل تجارب "مجانيا" لكثير من الدول.

أكثر ما يلفت في تغريدة "ترامب" الأولى التي هدد فيها روسيا، استخدمه تعبيرات مبالغا فيها على طريقة "الأكشن الهوليودي"، حتى بدت وكأنها تصريح مستورد من الحقبة الحامية للصراع الأمريكي السوفيتي، وليست تصريحا أطلق في عام 2018، بعد مرور سنوات على اختفاء كثير من ذيول الحرب الباردة بين الطرفين.

ولعل هذه المبالغة المصبوغة بكثير من السخرية، تكشف إلى حد ما الهدف الحقيقي (وليس الهدف المعلن لها)، وهو الإيحاء بوجود عداوة مستحكمة بين واشنطن وموسكو، إنما جاء "ترامب" ليزيدها استحكاما، لا ليخفف منها.

والخلاصة أن "ترامب" عبر هذه النبرة من التهديد، يريد أن يخاطب أولئك الذين لم ينتخبوه وإلى جانبهم أولئك الذي ظنوا أنهم انتخبوه بملء إرادتهم ثم تبين لهم أنهم فعلوا ذلك تحت وطأة التغرير والخداع.. يريد أن يخاطب هؤلاء أجمعين، موصلا لهم رسالة "عملية" أن ما يقولونه عني وعن تآمري مع روسيا هو محض افتراء وهراء، وها أنا أمامكم أهدد روسيا كما لم يهددها أقوى رئيس مرّ على الولايات المتحدة، بل إني أتوعدها بسيل من الصواريخ، مثبتا بـ"الوقائع" أن أمريكا رجعت إلى أيام "عظمتها" على يدي.

أما التغريدة الثانية فهي واضحة في كونها موجهة من "ترامب" إلى خصومه ممن يحققون في علاقته المشبوهة مع موسكو، وليس فيها من جديد سوى الإصرار على شتمهم، ووصفهم بالمتناقضين، وإخبارهم أن "ترامب" هو شخص فوق مستوى شبهات التواطؤ وارتكاب الخيانة العظمى بحق بلده.. ومن كان له اعتراض فعليه أن يراجع التغريدة الأولى!

ليس هناك بالطبع من يستطيع الجزم بمغزى اقتران التغريديتين وعدم الفصل بينهما بفاصل زمني طويل، وليس هناك أيضا من وقائع دامغة توضح فيما إذا كان "ترامب" قد قرن بين التغريدتين عن سبق إصرار وترصد، أم إن الأمر مجرد سهو سقط الرجل في حبائله، كما يسقط الكثيرون في زلات ألسنتهم.

ولكن اقتران التغريدتين فيه من القرائن ما يكفي لتعزيز النظرية التي تقول إن كل ما سبق وتزامن وسيلحق بمسألة "عقاب الحيوان" على الكيماوي، لايعدو أن يكون مسرحية تمت بالاتفاق والتنسيق بين "ترامب" و"بوتين"، وربما بعلم ورضا من بشار نفسه (لم نستخدم كلمة موافقة هنا، لأن بشار بات منذ زمن في مرتبة أدنى من أن يقبل أو يرفض).

وتنضم إلى هذه القرائن إشارات أخرى، نقرأها من تلك التصريحات الاستعراضية التي يصر فيها "ترامب" على وصف بشار بـ"الحيوان"، واستخدام ألفاظ "طنانة" تطرب مسامع الكثيرين داخل وخارج حدود الولايات المتحدة.

وعليه، يبدو هجوم الكيماوي فرصة لا تعوض أمام "ترامب"، القادم من عالم الصفقات؛ ليضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، فيحرج خصومه المصرين على تواطئه مع بوتين، وينفي عنه شبهة الخيانة العظمى، ويوهم الأمريكيين بأن بلادهم عادت "عظيمة" حقا لايمكن لأحد أن يتحداها، ويقدم نفسه بوصفه الزعيم العالمي الحريص على حقوق الإنسان، والمكلف بمحاربة الظلم ونشر العدل، والمسؤول عن معاقبة الطغاة وتأديبهم، علما أن المذابح كانت وما تزال تجري تحت بصر واشنطن منذ 7 سنوات، دون أن تحرك هذه ساكنا، اللهم سوى باتجاه عرقلة أي مسعى يصب في مصلحة الإطاحة ببشار.

وعليه أيضا، تبدو أي ضربة محتملة ضد بشار مقيدة بهذا الإطار، إطار تحقيق مكاسب "ترامبية" "بوتينية"، وربما "أسدية"، بعيدا عن أي حسابات تهتم لأمر الشعب السوري وإنصافه من قتلته، كما يُروج لذلك على نطاق واسع منذ أيام، عبر ضخ كم هائل من الأخبار والتصريحات الأمريكية بهذا الخصوص.

وقد يقول قائل إن هذا التفسير (رغم قوة قرائنه الداعمة) يمثل وجها من وجوه الإغراق المذموم في "نظرية المؤامرة"، وإن "ترامب" بالفعل يريد ضرب بشار، ويريد الوقوف في وجه روسيا ووضع حد لـ"عربدة" بوتين، وهذا أيضا فيه بصيص وجهة نظر، ولكنه يحيلنا مرة أخرى إلى السؤال: ما الهدف من الضربة المحتملة؟، لنجد أنفسنا أمام جواب مشابه، يفيد بأن "ترامب" ربما بات يشعر بوطأة الوصاية الروسية عليه وبتأثيرها المخزي في سجله، وهو بالفعل يريد التخلص منها صادقا وجادا في مسعاه، ولن يجد فرصة أفضل من أن يوجه ضربته في الساحة الأكثر انفلاتا على مستوى العالم، ونقصد بها الساحة السورية التي تقصف فيها طائرات من مختلف الدول، وتسقط فيها صواريخ من مختلف المصادر، وتنفذ فيها مجازر من جميع الجهات، دون أن يكون هناك من يسائل أو يفكر بالمساءلة، ما دامت هذه الأرض "مباحة" برغبة حكومتها "الشرعية" ورضاها (نشرنا مؤخرا ملصقا لمحاضرة حديثة ألقاها رفيق بعثي في أحد مراكز النظام الثقافية يصف فيها الاحتلال الأمريكي لسوريا بأنه "تواجد"، فما ظننا بتوصيف النظام للاحتلال الروسي مثلا!).

وسواء اقتربنا من نظرية المؤامرة أو ابتعدنا، فإن الثابت من استقراء تغريدتي "ترامب" الأخيرتين أن الضربة التأديبية إن حصلت، ليست سوى تجسيد لتصفية الحسابات وإتمام الصفقات وتوصيل الرسائل، تحت ستار "الحمية" للدم السوري المسفوك على يد بشار ومن أمامه (وليس من خلفه) من قوى الاحتلال الروسي والإيراني.


from أخبار سورية - زمان الوصل http://bit.ly/2Hv0Wrm
via IFTTT

Post a Comment

syria.suv@gmail.com

Previous Post Next Post

ADS

Ammar Johmani Magazine publisher News about syria and the world.