لا يزال المسار المؤدي إلى الحل السياسي للحرب المفروضة على سوريا، محفوفا بعوائق شتى، قد لا يكون آخرها العدوان التركي في شمال البلاد، واعادة انتشار القوات الامريكية لتتمكن من سرقة النفط السوري، او مراوغة الجانب التركي وعدم التزامه بالتعهدات الموقعة في نسخ اجتماعات استانا السابقة او مؤتمر سوتشي.
النسخة الرابعة عشرة من اجتماعات استانا انتهت، ولم يكن يوم ونصف اليوم من الاجتماعات كفيل بحلحلت ملفات، عبدت لاجلها مشاورات الدول الضامنة في استانا، وماتزال حقول الالغام السياسية التي يزرعها الامريكي بيد التركي، والتي تشكل الخطر الحقيقي على وحدة وسلامة اراضي البلاد، انطلقت هذه النسخة وهي محملة بالكثير، وبقيت نتائجها مرهونة بالحمولات التي رافقت الوفد التركي، بعد اجتماعات اردوغان بقادة الناتو في لندن قبل ايام من انطلاقها، وكان ايضا للقاء الرئيس التركي مع ترامب اثر واضح في مجرياتها، ما جعل هذه الجولة اقرب الى جولة المراوحة في المكان، وجاء بيانها الختامي ليؤكد ان التقاط الانفاس فيها وتحديد الخيارات هو الطريق الصحيح للجولات المقبلة.
البيان الختامي الذي لم يكن بعيدا عن المذكرة الموقعة بين الاتراك والروس حول منطقة الجزيرة السورية والمعروف باتفاق سوتشي، مع التلميح الى الاستعانة باتفاق "اضنة" ليكون اساسا قانونيا يبنى عليه ما يخص موضوع الحدود بين البلدين، مع اصرار سوري واضح على عودة السيادة السورية الى كافة الاراضي التي دخلتها المجموعات المسلحة التابعة لتركيا والجيش التركي، كنتيجة حتمية، قبل البحث بأي تفاصيل اخرى، في حين بقي الحديث حول ادلب ومحاربة الارهاب، يعتمد على تنفيذ انقرة للاتزاماتها السابقة، والخاصة بمحاربة الارهاب في ادلب، حيث تعهد التركي سابقا باخراج جبهة النصرة والمجموعات التابعة لها، من مناطق في ادلب وفتح الطريق الدولي الواصل بين حلب ودمشق، كل تلك التفاصيل وضعت في حسبان المجتمعين في العاصمة الكازاخية، ان انكماشا سياسيا قريبا تفرضه مواعيد الانتخابات الامريكية القادمة والتي من المقرر ان تنطلق حملتها الانتخابية في شهر شباط القادم، ما ساهم في تقارب الاولويات بين الدول الضامنة ودمشق، والتقاط الانفاس لترتيب الخيارات.
بالطبع بعد البيان الختامي، الجميع يرى وبحسب تجارب سابقة، ان تركيا لن تلتزم كعادتها بالتعهدات الخاصة بالارهابيين في ادلب، وزد عليهم ملف شرق الفرات، وان اسطنبول ستبقى تماطل، لهذا السبب مارس الجانب الايراني والروسي الضغط عليها من اجل الوفاء بالالتزامتها، وتحديدا من اجل حفظ سيادة واستقلال ووحدة الاراضي السورية، ورأى المراقبون ان بغير هذه الشروط ستبقى تركيا راعية حقيقية للارهاب، وما يحتاجه المسار السياسي لكي ينطلق بقوة، هو نزع ورقة المجموعات المسلحة من يد تركيا، وبالذات في ادلب، وبذلك فقط تبدأ عجلة الحراك السياسي بالدوران، ولمس اي تقدم سياسي ينحصر فقط بانهاء الوجود الارهابي على الاراضي السورية، وخروج اخر جندي امريكي وتركي من المناطق التي دخلوها.
الجميع يعلم ان التقدم الذي يحقق على مستوى الدول الضامنة، في ملفات عدة سينعكس بشكل ايجابي، على كل الاستحقاقات القادمة بما يخص الشأن السوري، فاجتماع لجنة مناقشة الدستور، ستشهد ظلال التوافق بين الدول الضامنة في الاجتماع الرابع عشر في الاستانا، والمهم في الامر ان باب عودة الحرارة للمشهد الميداني في ادلب مازال مفتوحاً، وان اولوية الدولة السورية في محاربة الارهاب، لا تفارق اي نسخة من نسخ اجتماعات استانا، وان استمرار تركيا بالمماطلة، لا يمكن السكوت عنه، فالجيش السوري جاهز لتنفيذ مهامه الدستورية، بانهاء تواجد كل الارهابيين، بعيدا عن طاولة المفاوضات.
المأمول بعد النسخة 14 من استانا، أن يجعل صقيع العاصمة الكازاخية المجتمعين أكثر حرارة، في التعاطي مع ملفات هي الاساس للانطلاق نحو حراك سياسي ينتج ايقاف الحر بالمفروضة على البلاد.