نحو التعطيل تسير سفينة اللجنة الدستورية المصغرة بعد فشلها في الجولة الثانية من الاجتماعات في جنيف.
أخفقت اشرعة الامم المتحدة في دفع المجتمعين بعد تعنت وفد المعارضة، ما يعكس صورة حقيقية للاشتباك الاقليمي والدولي والمسار الصعب الذي تعمل في ظله هذه اللجنة، فخلال اجتماعها الثاني كان واضحا كيفية توزع التجاذابات السياسية في الاقليم والمنطقة، ومدى التأثير الميداني على ما يجري في مقر الامم المتحدة في العاصمة السويسرية.
التفاؤل الذي كان يسود الاجواء بعد انتهاء الجولة الاولى، لم يستمر طويلاً، بعد رفض وفد المعارضة مناقشة الورقة التي قدمها الوفد المدعوم من الدولة السورية، والتي تضمنت بكل اختصار اعتبار مكافحة الارهاب وادانة احتلال الاراضي السورية من قبل الامريكي والتركي، واعتبار كل حامل للسلاح في وجه الدولة الوطنية ارهابي"، وفي الاجراء، تنص القواعد المنظمة لاجتماعات اللجنة المصغرة على تقديم كل وفد ورقة عمل قبل ثلاثة ايام من بدأ الاجتماعات للمبعوث الاممي، وبالفعل فعل ذلك وفد المعارضة بحسب مصادر، ورقة تتضمن على نقطتين فقط، الاولى لها علاقة بمقدمة الدستور، والثانية بالمبادئ الاساسية.
وحمل الدكتور احمد الكزبري رئيس الوفد المدعوم من قبل الدولة السورية، ورقة عمل، حملت عنوان " ركائز وطنية تهم الشعب السوري"، المصدر اكدت ان هذه الورقة تضمنت عدة نقاط كان ابرزها " إدانة الإرهاب والتطرف والعنف والعمل على مكافحته، واعتبار كل من حمل سلاحاً خارج سلطة الدولة السورية إرهابياً، والتأكيد على وحدة واستقلال وسيادة سورية من خلال إدانة الاحتلالين التركي والأمريكي وغيرهما من الوجود الأجنبي خارج موافقة الدولة السورية والمطالبة بخروجه، والمطالبة برفع الإجراءات القسرية أحادية الجانب المفروضة على الشعب السوري من قبل دول غربية"
بالطبع كان من الواجب مناقشة هذه الركائز قبل الشروع بمناقشة مواد الدستور، الا ان رفض وفد المعارضة المدعوم من الدول التي ساهمت في الحرب على سورية، كان بسبب رعبها من سلة الارهاب التي تضمنتها ورقة الوفد المدعوم من الدولة السورية، ما جعلها نقطة جوهرية في الخلاف، ما دفع الاجتماعات الى افق مسدود، ضمن سلسلة معقدة من التدخل من قبل بعض الدول في عمل وفد المعارضة، الذي مال اداءه في هذه الجولة الى الاستعراض الاعلامي، اكثر من البحث الجدي بالورقة التي قدمها الدكتور الكزبري، وما قدم من ورقة من قبل هذا الوفد، بحسب مصادر مطلعة، كان اقرب لقوالب جاهزة، واجندات معينة، مبنية اصلا على رفض اي جدول اعمال يقدمه الوفد المدعوم من الدولة السورية، ما عكس بالفعل ارادة الوفد بتمرير ما تسعى اليه الدول الداعمة له وبالذات تركيا عبر هذه اللجنة، وان هربه من مناقشة الركائز الوطنية، وابتعاده عن الجدية والمنطقية في الوافق على ما يهم الشعب السوري، يشير الى نية التعطيل اصلا، والتناقض السياسي، وايضا يجب الاشارة الى ان بيدرسون المبعوث الاممي، هربت من يديه في هذه الجولة كل خيوط التوازنات التي كان يبني عليها عمله في الاجتماع الاول.
وبكل الاحوال ترى النخب السياسية في سورية أن مناقشة مواد الدستور السوري، لا تجدي نفعا بعيدا عن نقاش اثار الحرب المفروضة على البلاد، ضمن قالب دستوري واضح، واهم تلك الاثار قضية الارهاب والاحتلال الامريكي والتركي، يبعد التوافق على شكل الدولة الوطنية التي ينتظرها الشعب السوري، حيث يعتبر اعضاء الوفد المدعوم من الدولة السورية ان هوية هذه الدولة وموقعها ضمن معادلات اقليمية ودولية، يساهم بشكل فعال في انهاء الحرب المفروضة على البلاد، بالاضافة الى ابعاد البلاد عن خطر التفكيك الذي تحاول ادارة التوحش الامريكية تنفيذه، واستبدال الدولة الوطنية بدولة ضعيفة تقوم على اساس تتناقض مع مبادئ السيادة والمواجهة مع مشاريع امريكية وصهيونية، تسعى الى تجسيد روح الليبرالية الحديثة، او التيارات المتطرفة، مكان المشروع الوطني.
إن التشاؤم يطل برأسه على عمل هذه اللجنة بعد جولتها الثانية، فما يتسرب من كواليس الامم المتحدة في جنيف، يبعد اي خرق لتعنت وفد المعارضة، وينعكس ذلك على عدم التوافق على موعد انعقاد الجولة المقبلة من الاجتماعات، وتؤكد المصادر ان بيدرسون الان يسعى الى عقد جولة ثالثة وحتى لو كانت شكلية، كي يؤكد للمنظمة الدولية ان عمل لجان مناقشة الدستور مستمر، او احتمالية انتظار ما ستخرج به محادثات استانا، والذي يعتبر الركيزة الاساسية في تحديد مسار جديد ومواعيد جديدة لاجتماع اللجنة الدستورية، عبر قوة تأثير الدول الضامنة، بالاضافة الى ان الاوضاع الميدانية في الداخل السوري التي تشير الى قرب انطلاق عملية عسكرية في ريف ادلب، واستكمال انتشار الجيش السوري على الحدود التركية، الامر الذي سيقلص قدرة فريق المعارضة والدول الداعمة له على المناورة السياسية وانخفاض سقف نقاشهم .