يبدو أنّ تصريحات المُستشارة الإعلاميّة للرئيس السوري بثينة شعبان، وعلى شاشة قناة "الميادين"، جاءت بوقعٍ سلبي على قراراتِ الرياض الأخيرة بخُصوص العلاقة مع سوريا، وتَحديداً بعد إشارة تقارير صَحفيّة، إلى أنّ إعادة فتح سِفارة العربيّة السعوديّة في العاصِمة دِمشق، مسألة وقت.
مُستشارة الأسد قالت تعليقاً على العلاقات مع الرياض في مُقابلتها الأخيرة، إنّ الأمر لم يتبلور بعد ليُصبح جدّيّاً، إنّما بقي في إطار الكلام، لكنّها وفي ذات الوقت، وجّهت انتقاداً لها، لدورها السلبي إلى جانب الأتراك في المنطقة، وأكّدت أنّه في طريقه للانحسار.
الرياض، وبالتّزامن مع تصريحات شعبان، قرّرت إبقاء ملف الحج مع "المُعارضة"، وذلك للسّنة الثامنة على التّوالي، وهو ما أعلنه "الائتلاف السوري" المُعارض، عن توقيعه مع وزارة الحج العقد النّاظم للحج السوري للموسم المُقبل العام 1441 2020، وقام بالتّوقيع "نائب رئيس لجنة الحج المُعارضة" عبد الباسط عبد اللطيف، مع نائب وزير الحج السعودي عبد الفتاح بن سليمان.
التّوقيع، بدا أنه نزل على ما تبقّى من رموز "مُعارضة" للدولة السوريّة برداً وسلاماً، مع أنباء تقدّم الجيش السوري نحو آخر معاقل "المُعارضة"، وجبهة النصرة في إدلب، وسيطرته تِباعاً عبر القرى والمُدن، وأنباء نيّة دول خليجيّة مثل السعوديّة، والإمارات إعادة تطبيع علاقاتها مع "نظام" الرئيس بشار الأسد، وفتح السعوديّة مكاتب خطوطها الجويّة في دمشق، وهو ما كان يعني عودة إشراف الدولة السوريّة على حجّاجها، فيما يجري حرمانهم للسّنة الثامنة على التّوالي من الحج، في ظِل إيكال ملف الحج للــ"الائتلاف السوري"، وعدم اعتراف الرياض بشرعيّة النظام للتّعامل معه.
ويجري توجيه اتّهامات للرياض، بأنها تستغل موسم الحج، في خُصوماتها السياسيّة مع الدول، وحرمان مُواطنيهم من فريضة من استطاع إليها سبيلا (الحج)، وإيكال ملف الحج لـ"المُعارضة السوريّة"، يُعيد التّذكير بنفي المملكة المُتكرّر إعطاء الحج طابعاً سِياسيّاً، وطلبها من الحُجّاج العام الماضي، عدم رفع شِعارات سياسيّة، وتحذيرها من مغبّة ذلك، فيما يشكو حجّاج "سورية الأسد" من حرمانهم من أداء الفريضة، أو التّضييق عليهم كما يحدث مع القطريين على خلفيّة أزمة المُقاطعة الشّهيرة مع قطر.
وتقديراً لخطوة السعوديّة، قدّم "الائتلاف السوري" الشّكر لها..، وهو ما يطرح تساؤلات بين المُراقبين، حول مدى نجاح تلك اللجّنة "بترتيب شؤون الحجّاج السوريين جميعاً دون استثناء" وبشكلٍ مُحايد، بغض النّظر عن توجّهات المُواطن السوري المُسلم إن كان مع حكومة بلده أم مع "المعارضة"، وبصفتها كما تقول على موقعها الرسمي أو اختيارها "الجهة الرسميّة" لتمثيل حجيج السوريين بعد سحبها من النظام مايو/ 2013، أو مُجرّد خوضها مُناكفات سياسيّة مع الحُكومة المركزيّة في دِمشق المُعترف بها دوليّاً؟
قرار السعوديّة في عدم تطبيع العلاقات مع دِمشق، قد لا يحكمه فقط حرصها كما يقول "الائتلاف المُعارض" على نيل الشعب السوري الحريّة والكرامة، ودعم "ثورته المُباركة" فقط، بل يمتد إلى ما هو أبعد من ذلك بتقدير أوساط المُراقبين، ويكمن في حِرص المملكة على علاقاتها مع واشنطن، وتحديداً إدارة الرئيس دونالد ترامب، والذي وقّع أخيراً قانون حماية المدنيين في سوريا "قيصر"، والذي يقضي بمُعاقبة الدول التي تدعم الدولة السوريّة اقتصاديّاً، وعسكريّاً، وعدم إعادة علاقات السعوديّة مع سورية في هذا التّوقيت، يُجنّبها العُقوبات، وهي التي تُواجه العديد من الأزمات أصلاً مع الولايات المتحدة، على خلفيّة حرب اليمن، ومقتل الصحافي جمال خاشقجي، وإعادة النّظر بتدريب عسكرييها على الأراضي الأمريكيّة، بعد حادثة إطلاق نار نفّذها المُلازم محمد الشمراني في قاعدةٍ أمريكيّة بفلوريدا، وخلّفت قتلى، وجرحى.
القانون "قيصر"، والذي كانت قد قلّلت من تأثيره المُستشارة بثينة شعبان في برنامج "لعبة الأمم" على شاشة "الميادين"، وشأنه فقط بحسبها فرض المزيد من الضّغوطات على بلادها، فيما اقتصادها يتحسّن، يبدو أنه لا يترك ذلك التّأثير أيضاً بالنّسبة للإمارات، فالأخيرة فيما يبدو عاقدة العزم على تطبيع العلاقات مع سورية، على عكس حليفتها السعوديّة التي أوحت باستمرار تسليمها ملف الحج لـ"المُعارضة"، بعدم رغبتها الانفتاح على الأسد، والعكس صحيح سعوديّاً فيما يتعلّق بالانفتاح على النظام القطري بعد مُقاطعته، والذي كانت قد اتّهمته شعبان (نظام قطر) بالمُشاركة في فبركة شخصيّة "القيصر" الذي استند إليه القانون الأمريكي لـ"مُعاقبة نظام سورية" تحت شعار حماية المدنيين.
الداعية الإماراتي وسيم يوسف، والمُقرّب من سُلطات بلاده، وفي موقفٍ لافت، كان قد اتّهم إعلام قطر بالتّحريض على الرئيس والجيش السوري، وأنه تعاطف مع "الجيش الحر" وجبهة النصرة جرّاء تحريضه، وجاء ذلك خلال حلقة "من رحيق الإيمان" على الشاشة الحُكوميّة "أبو ظبي"، وخلال ردّه على تساؤل لافت من متّصل عن حُكم سنوات قضاها في قتال الجيش السوري، وهو ما قد يُعبّر عن موقف إماراتي إيجابي من الدولة السوريّة، والرئيس بشار الأسد، ورغبتها في إعادة العلاقات، خاصّةً أنّ يوسف قال إنه لو كان في سورية لحمل السّلاح ضد "الحر والنصرة"، والتي وصفها بالمُرتزقة والإرهابيّة، وهو موقف قد يُعبّر عن موقف الإمارات عُموماً من الثورات العربيّة، حيث كان لافتاً إعادة يوسف وعلى شاشة إماراتيّة حُكوميّة أمنيات الشعوب بعودة أيّام القذافي، حسني مبارك، وفي سوريا لأيّام بشار الأسد، وهذا قد يشي بالكثير.