ليلاً وخلسة، ارتفع الجنون لدى القادة العسكريين الامريكيين، فكان القرار بالعدوان على مقار لكتائب حزب الله العراقي، التابع للحشد الشعبي.
المكان، على الحدود السورية العراقية، والحصيلة 25 شهيداً و51 جريحاً، الصواريخ التي اطلقت بالقصف الجوي حملت توقيع وزارة الحرب الامريكية، والطائرات التي ضربت وهربت، لم تكسر ارادة المقاومة لدى قادة الحشد الشعبي، الذين عبروا عن استعدادهم للمواجهة القادمة، بعد ان ادخلت الولايات المتحدة الامريكية المنطقة في مرحلة جديدة من الحرب، انها المواجهة المباشرة.
هذا العدوان والذي واجهته ارادة مقاتلي الحشد الشعبي منفردين، اراد منه الامريكان حفظ ماء الوجه، فلم يكتب ذلك لهم، تسللوا بصواريخهم، في خطوة غير مسبوقة تسعى من خلالها واشنطن تنفيذ مصالح الكيان "الاسرائيلي" في المنطقة، نعم دمر المقر التابع للحشد الشعبي، لكن لم تستطع تلك الصواريخ خفض منسوب القلق المرتفع لدى قادة الكيان، ما يشكل نقطة تحول نوعية، سيكون لها ابعادها في الايام القادمة، بعد هذا التدخل المباشر من قبل الولايات المتحدة لتحقيق مصالح الكيان في منطقة تعتبر الاكثر استراتيجية في شمال وشمال شرق سوريا، هذا ما قرأه الجميع على أنه رسائل من الادارة الامريكية، لمحور المقاومة بكل كامل، لما يشغله معبر القائم وتلك المنطقة الحدودية من اهمية في المواجهة بين محور الشر الامريكي، ومحور مكافحة الارهاب والذي تمثل فيه قوات الحشد الشعبي ركنا اساسيا.
قرع طبول الحرب والعدوان كان امريكياً لكن العرس والفرح كان في الكيان الاسرائيلي، هذا ما عبر عنه بوضوح ما يسمى بوزير الخارجية في الكيان "يسرائيل كاتس" في تصريح له قائلا "إن تلك الهجمات الأمريكية تعتبر نقطة تحوّل في الواقع الإقليمي"، ولنوضح بدقة اكبر سبب هذا العدوان، واهمية تلك المنطقة جغرافيا، يجب ان نعود الى اليوم الاول الذي تم التواصل فيه بين الجيش السوري والعراقي وقوات الحشد الشعبي على الحدود السورية العراقية، وبعدها تحرير مدينة البوكمال، ونستحضر كل الدعاية الاعلامية التي شنتها الولايات المتحدة الامريكية ووسائل اعلام مرتبطة بالكيان الاسرائيلي، عبر تصوير هذا الاتصال بأنه يضر بمصالح واشنطن وتل أبيب، بالطبع ترافقت تلك الحملة الاعلامية مع غارات كانت تنسب الى مجهول، لكن بالتحليل فإن كل الغارات التي تعرضت لها تلك المنطقة تحديداً كان خلفها الكيان الاسرائيلي، في محاولة لرسم خطوط اشتباك وقواعد تحكم تلك المنطقة، الا ان الامر لم يسر كما تشتهي سفن امريكا، افتتح معبر البوكمال، وقطع الاتصال الجغرافي بشكل كامل بين قاعدة التنف التي لم تكن ضمن حسابات الانسحاب الامريكي من الاراضي السورية، والتي تعد قاعدة وصل بين التواجد الامريكي في الجزيرة السورية وبين الكيان الاسرائيلي لما لها من موقع متوسط على الحدود العراقية الاردينة السورية، هذه الصفعة التي وجهت للمشروع الامريكي في المنطقة، استدعت التدخل المباشر من قبل امريكا، ومحاولة تعطيل التواصل الجغرافي بين طهران وبغداد ودمشق وبيروت وفلسطين، ما يفسر ان حجم الغارة لا يتناسب مع ادعاء وزارة الحرب الامريكية انه انتقام لمقتل متعاقد مدني في قصف صاروخي لاحد قواعدها.
يعرف المتابع لما يحدث في المنطقة، ان ترامب ومعه الكيان الاسرائيلي، لم يختر اللواء 45 في الحشد الشعبي بشكل اعتباطي، فهو نفسه اللواء الذي تعرض لاكثر من غارة وارتقى فيها عدد من قادته، حيث تحاول واشنطن اغلاق الطريق الذي يعتبر بالنسبة لاعداء محور المقاومة امرا حساسا ويصل الى درجة الخطوط الحمر، كون هذه المنطقة تحديداً نشرت فيها الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا قواعد على الجانب السوري والعراقي، كي تعطي دورا مركزيا لقاعدة عين الاسد في التحكم والسيطرة الطبوغرافية، وهذا ما افشله الجيش السوري والعراقي والحشد الشعبي، واستمر تصدي لهذا المخطط عبر العمليات العسكرية المتلاحقة التي تطلقها القوات السورية والعراقية لمتابعة وملاحقة مسلحي داعش في الصحراء السورية والعراقية، بعد نقل القوات الامريكية مسلحي داعش الى تلك المناطق للمساعدة في اقفال هذا الطريق البري الهام .
الأهم في مشهد ما بعد العدوان، هذا التضامن الواسع مع ابناء الحشد الشعبي، فلم تتأخر كثيرا الخارجية السورية التي قالت في بيان لها ان "سورية تدين العدوان الأمريكي الدموي على فصائل الحشد الشعبي العراقية التي تدافع عن سيادة العراق واستقلاله في إطار قرارات الدولة العراقية ومؤسساتها الرسمية وأي عدوان على سيادة واستقلال وحرية العراق والعراقيين."، موقف يؤكد نهاية المرحلة التي كان يحاول فيها الامريكي الضرب والعدوان على شعوب منطقتنا، دون التورط في مواجهة مفتوحة او مباشرة او علنية، وهذا يدفع بالجميع بحسب المراقبين في دمشق، الى ان المقاومين في العراق وسوريا، كانوا قد اعلنوا ان التواجد الامريكي هو قوة احتلال، واليوم تتأكد صوابية رؤيتهم، وان هذا التطور في التصرف الامريكي، هو دليل على فشل محاولات تحجيم قوى المقاومة، في المنطقة، وان ارادة الصمود والمقاومة هي التي ترسم التوازنات السياسية والعسكرية في المنطقة، وهذا ما يوحد الجميع بعد هذا العدوان غير المسبوق، على من ساهم بتخليص العالم من شر جماعة داعش الوهابية .