تحجز معركة ادلب من جديد مكانها في طليعة الترقبات للاحداث في سورية، تحضيرات الجيش السوري هناك تعيد الميدان العسكري الى مركزيته، وهي المحافظة الشمالية الغربية، التي سرقت منها الاولوية بعد التطورات في الجزيرة السورية وشرق الفرات، كون هذا الملف تحديدا له قدرة على التأثير في سير عجلة التفاهمات السياسية بشكل اسرع، ويختبر بنتائج واضحة، جدية الاطراف الفاعلة فيه، وبالذات الجانب التركي.
التسخين التدريجي لخطوط النار في ريف ادلب، يمهد بشكل واضح لانهاء التفاهمات غير المستقرة حول تلك المنطقة، وخلق واقع ميداني وسياسي جديد يتماشى مع رغبة الدولة السورية بانهاء التواجد الارهابي في هذه الجغرافية، فالتطورات الميدانية والتعزيزازت المستمرة، ترشح معركة قادمة قبل نهاية العام الحالي، حيث تشير المعلومات عن استقدام الجيش السوري تعزيزات عسكرية الى ريفي ادلب الجنوبي والشرقي، والتي تعتبر نقاط تماس مع المجموعات الارهابية، على اعتبار ان تلك المناطق تقليديا هي نقاط التوتر الدائمة والتي يحاول من خلالها الارهابيين مهاجمة نقاط الجيش السوري، وبالذات في منطقة سنجار الى الشرق من ادلب، او محيط منطقة خان شيخون، بالطبع فإن الجهوزية العالية والروح المعنوية والقتالية للجيش السوري بحسب مصادر مطلعة، هي في اعلى حالتها وعلى استعداد لتنفيذ المهام القتالية الموكلة اليها، في جميع محاور القتال، ووقف الاستفزازات المتكررة لجبهة النصرة وحلفائها في هذه المحاور.
في وقائع الميدان، فإن تدخل سلاح الجو بشكل مباشر في تليين خطوط دفاع المجموعات الارهابية، ضمن فكرة التسخين التدريجي للجبهات، تشكل عاملاً حاسما لنظرة طول جبهات القتال وتوسعها، وتساند قوات الجيش في مناطق وارياف اللاذقية وادلب حلب، وهذا ما تم بالفعل عبر سلسلة غارات مكثفة نفذتها المقاتلات السورية، في محيط مدن إدلب ومعرة النعمان وبنش، وفي أطراف بلدات معصران وحيش والتح وحران ودير شرقي وأم جلال وتحتايا وأم التينة والبرج وتل دم جنوب وجنوب شرق إدلب، كل تلك الصبائب النارية تأتي بعد نفاذ صبر عاصمة القرار السياسي السوري، عن مماطلة الجانب التركي في تنفيذ تفاهمات سوتشي واستانا، وما يتعلق بالمنطقة منزوعة السلاح، التي وقعت في ايلول الماضي بين الرئيسين التركي والروسي، وما يهدف اليه الجيش السوري والحلفاء، اعادة فتح الطريق الدولي دمشق، وعودة الطريق الدولية حلب اللاذقية للعمل، والذي كان من المقرر تنفيذه منذ عام 2018، وبالتالي من المرجح افتتاحه بنيران الجيش، وعبر وحداته القتالية، والهدف القضاء على تواجد الارهابيين بشكل مبدأي في مدينة معرة النعمان، التي تتيح فتح الطريق الدولي بشكل اسرع.
وفي المماطلة التركية الأبعد مدى على مستوى الاتفاقات الموقعة، تأتي ادلب كورقة ترغب تركية للتمسك بها الى اخر لحظات الحرب، وهذا يبرر الرغبة السورية في هندسة خطوط الاشتباك من جديد في مناطق سيطرة المسلحين، وبالذات بعد الهجمات العديدة التي نفذتها المجموعات المدعومة من تركيا وجبهة النصرة، على مواقع الجيش السوري في مناطق سنجار ما جعل الجيش يتخذ القرار السريع بانهاء الوجود المسلح في تلك المنطقة، واعادة فتح الاوتستراد الدولي، بالاضافة الى السعي لتفكيك تدريجي لمنظومة الارهاب التي تمثلها جبهة النصرة والمجموعات المتحالفة معها، والذين نكثوا بكل الاتفاقات السابقة، من استانا بنسختها الثالثة عشرة وما قبلها.
التطورات الميدانية في الساحة السورية، واقتراب ملامح عملية عسكرية في ريف ادلب، تأتي ضمن اصرار الدولة السورية على عودة المدن الكبرى والرئيسية من يد الارهاب، وعلى اعتبار ان ملف ادلب يحمل صيغة عسكرية بحتة، الا انه يتضمن في جنباته تفاهمات سياسية، وهو محطة مهمة لهندسة الاتفاقات القادمة، ويساند انجاز عمل اللجنة الدستورية بعد سحب ورقة ضغط مهمة من ايد الدول الداعمة للجانب المتعنت في هذه اللجنة، وهم وفد المعارضة المحسوب على تركيا.