يبدو أن المواجهة الصينية الأمريكية قطعت مرحلة الشك بأنها تجارية بحتة، كما حاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تصويرها بعد فرضه رسوماً بمئات مليارات الدولارات على المنتجات الصينية، فالكونغرس الأمريكي تبنى قرارين استفزازيين ضدّ الصين، الأول بزعم دعم “حقوق الإنسان والديمقراطيّة” في مقاطعة هونغ كونغ، التي تتمتع بحكم ذاتي، والثاني يتعلّق بشأن الإيغور، وفي كلا القانونين واشنطن تبحث عن ذرائع للتدخل في الشؤون الداخلية الصينية، فأين إذاً الحرب التجارية في ذلك؟، هل بالفعل واشنطن تريد من وراء ذلك حماية مصالح شركاتها العملاقة، أم أن الأمر يتعلق بسعيها لإغراق بكين بالفوضى وعدم الاستقرار، وبالتالي حرمانها من الاضطلاع بأي دور على الصعيد الإقليمي والعالمي؟.
لقد سعت واشنطن في إطار خطتها للتحرّك شرقاً لمواجهة الصين للعمل على فرض حزام كبير أمني واقتصادي وعسكري، من خلال إبرام الاتفاقيات والمعاهدات مع الدول المجاورة لها- رفع الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما حظر استيراد الأسلحة عن فيتنام 2016 أبرز مثال على ذلك- كما رمى الرئيس الأمريكي الحالي بكل ثقله لإحداث خرق في جدار العلاقة مع حليفة الصين الأولى في المنطقة من خلال السعي لإبرام اتفاق سلام مع كوريا الديموقراطية، ولكن فشل حتى الآن في مبتغاه، هذا إضافة إلى عشرات الصفقات التسليحية مع طوكيو وسيؤول، والتي كان آخرها شراء اليابان 105 طائرة F-35، ومنظومات صواريخ مضادة للطائرات إلى كوريا الجنوبية، بالتوازي قاطعت واشنطن كل الدعوات الصينية للتفاعل مع مشروع “الحزام والطريق” التي أطلقته بكين، وضغطت على “الهند واليابان واستراليا” لمنع مرور المشروع.
مع بداية شهر آب الماضي انسحبت أمريكا من معاهدة الصواريخ المتوسطة وقصيرة المدى مع روسيا، وفي أول تصريح للرئيس الأمريكي ترامب للعودة إلى الاتفاق اشترط أن يتم ضم الصين إلى النقاش حول المعاهدة الجديدة، وفي هذا خشية أمريكية واضحة من تنامي القدرات الصينية العسكرية، فالأسطول البحري الصيني يعد الأكبر في العالم متجاوزاً الأسطول الأمريكي، وفق مركز الأبحاث الاستراتيجية والدولية، وهذا يؤكد أن الحرب أبعد من تجارية.
وعليه فالمخططات الأمريكية لمحاصرة الصين تبدو متسارعة وخطيرة، ولاسيما فيما يتعلق بالقانون الثاني الصادر عن الكونغرس والذي يدعم المتطرفين الإيغور في إقليم شينجيانغ، ممثلة بـما يسمى “الحركة الإسلامية لتركستان الشرقية”، والمصنّفة إرهابياً على قوائم مجلس الأمن الدولي، أي أن واشنطن جاهزة أيضاً للرمي بالورقة “الجهادية” بوجه بكين إذا لزم الأمر، لاسيما وأن الآلاف من هؤلاء الإرهابيين قاتلوا في سورية تحت راية تنظيمي “داعش” و”النصرة” الإرهابيين وما زالوا، كما أفادت معلومات استخبارية بأن المخابرات المركزية الأمريكية نقلت المئات منهم إلى الحدود الصينية الأفغانية.
أمام كل ذلك، يبدو أن المواجهة الأمريكية الصينية ستكون حامية، مع توعد صيني كبير بالرد على كل الإجراءات التي تقوم بها واشنطن، وتأكيد أن كل ذلك لن يمنعها من الدفاع عن حقوقها التجارية والسياسية والعسكرية، وهذا يعني أن واشنطن التي أشعلت المواجهة بداية لن تكون قادرة على إنهائها كما تريد.