بعيدة هي نتائج التقدم العسكري للجيش السوري في ريفي حلب وأدلب، نتائج قد يصل صداها الى رسم استراتيجيات جديدة في المنطقة، تحدد دور دول في الاقليم، اما تكتيكيا فتشير المعطيات الميدانية الى قرب افتتاح الطرق الدولية الواصلة شمال سوريا بجنوبها، والتي تشكل الشرايين الرئيسية التي تصل المحافظات السورية ببعضها، بعد محاولة تقطيعها لعدة سنين.
ميدانياً بعد سيطرة الجيش السوري على تل العيس الاستراتيجية، لم تسترح القوات بل تابعت التقدم لتسيطر على قطاعات واسعة من ريفي حلب وادلب والتي تقع على كتف الاستراد الدولي دمشق حلب، وعبرت منطقة ايكاردا وتل حدية، متجاوزة كل تحصينات جبهة النصرة والحزب التركستاني، وسيطرة بطريقها على قرى الوابية والكسيبية والطلحية والكماري التي فر منها الإرهابيون إثر سقوطها نارياً، وكانت بلدة البرقوم على موعد مع تقدم الجيش عبر محور زيتان، ومن ثم الصالحية الواقعة مال غرب بلدة العيس، ويصل الجيش الى منطقة الراشدين الرابعة، وبذلك يكون سيطر على كامل الريف الجنوبي لحلب.
في هذا الوقت لم تتوقف تعزيزات الجيش التركي الى الداخل السوري وتحديدا نحو معسكر المسطومة ومطار تفتناز ونقاط اخرى، تركيا التي زجت بمئات الاليات العسكرية والدبابات، تحاول مجارات التصريحات السياسية المتزايدة بينها وبين موسكو، وسط زيارات متكررة معلنة وغير معلنة بين الجانبين كان اخرها الوفد الروسي الذي زار انقرة، في محاولة لاحياء اتفاق مناطق خفض التصعيد، الذي تحول الى نقطة توتر جديدة قد يؤدي الى مواجهة غير متوقعة في ادلب، كون هذا الاتفاق بني على ارضية متصدعة، ما يفسر انهياره التدريجي بالذات بعد المماطلة التركية في تنفيذ التزاماتها فيه، ويبقى الامر ضمن المناورة السياسية الفاصلة بين الغضب التركي والدبلوماسية الايرانية والصبر الروسي، فالمشهد الميداني يوحي سياسيا ان الدولة السورية لن توقف العملية العسكرية حتى فتح الطرق الدولية الواصلة بين حلب ودمشق وحلب واللاذقية كمرحلة اولى في العملية العسكرية الدائرة شمال البلاد.
إن ايران وروسيا كدول ضامنة لاتفاق استانا وبعدها تفاهمات سوتشي، تدرك تماما ان المنطقة ذاهبة لفشل وهزيمة المشروع التركي والامريكي في ادلب وريف حلب، والجميع يدرك ان التركي كان احد الادوات الامريكية في هذا المشروع، ما يجعل دول محور مكافحة الارهاب لها القدرة الرئيسية في رسم الخرائط السياسية في المنطقة، ولم يغب عن بال الايراني والروسي ان تركيا هي مكون رئيسي من مكونات المنطقة وبالتالي يبقى العمل مستمرا سياسيا معها لاخراج الجيب الامريكي في هذه المنطقة كنفوذ وتواجد، عبر انهاء التواجد الارهابي المسلح في ادلب وريف حلب، بالتدريج وعبر مراحل، لا تتعارض مع الاتفاقات التي تمت في استانا او سوتشي وتحمي وتحفظ السيادة السورية على كل اراضيها، وحماية القرار السوري بانهاء ما تم الاتفاق عليه عسكريا بعد فشل كل محاولات اقناع انقرة بتطبيق الاتفاقات، والجميع يعلم ان اردوغان كان يتعامل مع تلك المنطقة على انها كنز كبير وخزان واسع، من الارهابيين والمتطرفين، يستقوي به على دول العالم، وان اي تقدم للدولة السورية وانهاء هذا الخزان الكبير، يشكل خدمة للمجتمع الدولي، وكسر للعصا التي كان يحملها الامريكي والتركي في وجه دول الاقليم والعالم.
بالتدقيق البسيط بتسارع الاحداث في ريفي حلب وادلب، يدرك ان المواجهة المباشرة بين الجيش السوري والقوات التركية التي دخلت بشكل غير شرعي للبلاد، تحصره تركيا الى هذه اللحظة بفكرة الردع، اي منع تقدم الجيش نحو معاقل ارهابي جبهة النصرة والقوقاز والتركستان، وان القراءة السريعة للاحدث تخبرنا ان الدولة السورية مصممة على متابعة العمليات العسكرية ضمن مراحل متعددة، تعتبر مرحة الطرق الدولية احدها، حتى انهاء تواجد الارهابيين في ادلب، ما يعني ان الاتراك بحسب العقلية المتحكمة في الملف السوري، سيدفعون الى جولة مفاوضات سياسية جديدة، وهذا واضح من عدم قدرتهم على تحمل اعباء اي احتكاك عسكري مباشر في ادلب، الذي سينعكس سلبا على الداخل التركي لعدة اسباب، ابرزها يكمن ان نزوح تلك المجموعات المسلحة مع عوائلها الى الداخل التركي سيشكل قاعدة وبنية لبيئة متطرفة في داخل تركيا والتي اصلا باشرت بنقل االارهابيين قبل بدأ العملية الى ليبيا للتخلص من فائضهم، الذي لن يستطع الانسجام مع النسيج الاجتماعي التركي، ما يعني ان هذه النقطة احد الاسباب التي تصعد تركيا عسكريا لاجل التوصل لاتفاق سياسي حولها مع الدول الضامنة والدولة السورية وحتى دول الاقليم والعالم.
إن هامش الوقت الذي يضيقه الجيش السوري بانجازاته العسكرية، يترافق مع اتساع سقف المواجهة الدبلوماسية والسياسية في المنطقة، وهذا لا ينفي احتمالية الاحتكاك العسكري، بل يضيق نتائجه وتحوله الى مغامرة غير محسوبة النتائج بالنسبة للجانب التركي، وحتى محاولة انقرة التي احتفظت وسحبت عدد من نقاط المراقبة في ريفي ادلب وحلب، لتحويل المنطقة لنقطة اشتباك غير مضبوطة بقواعد بعيدة هي نتائج التقدم العسكري للجيش السوري في ريفي حلب وأدلب.