المشروع السعودي-الإماراتي في المنطقة.. هل يتهاوى في ظل الأزمة الاقتصادية؟

مع اشتعال حرب أسعار النفط بين السعودية وروسيا على خلفية عدم اتفاقهما على حصة تخفيض الانتاج، بدأت ميزانيات السعودية والإمارات بالتهاوي وهو ما سينعكس على مشروعاتهم الإقليمية.

بعد مضي تسع سنوات على شرارة الربيع العربي تشكل محور مضاد للثورات، معتمد بالأساس على المال الإماراتي والسعودي. ورغم الصعوبات الاقتصادية الكبيرة التي تعانيها الدولتين من جراء تراجع أسعار النفط منذ منتصف عام 2014 فإنهما ما برحتا تسلحان المليشيات الموالية لهما في العديد من الدول العربية التي شهدت انتفاضات شعبية، وتشتريان الذمم، وتستخدمان كامل أدواتهما الدبلوماسية والمخابراتية لصد تحول الدول العربية نحو الديمقراطية.
وكانت البداية من ترتيب الانقلاب على الديمقراطية الوليدة في مصر بالتعاون مع الجيش، ثم المساندة المالية والدبلوماسية الهائلة لإضفاء الشرعية على النظام الانقلابي، وبعدها كان التورط المأساوي في اليمن، ثم زرع مليشيات حفتر في ليبيا والإنفاق على تسليحها وتدريبها وإمدادها بالمرتزقة، الأمر الذي ساعد على تمددها على أكثر من 70% من مساحة الدولة الليبية الفارغة سكانياً بعدما كانت تسيطر على 20% فقط منها.
كما تلعب الأموال الإماراتية حالياً دوراً قذراً في السودان من خلال تبنّي قوات الدعم السريع -غير التابعة إدارياً أو مالياً للجيش السوداني- والإنفاق عليها وشراء ولاءات قياداتها، بالإضافة إلى رعاية محادثات السلام في الجنوب بهدف نقل المليشيات المتناحرة في الجنوب إلى العاصمة الخرطوم، وهو ما يعني انتهاء الدور القومي للجيش السوداني للأبد، وبهدف السيطرة على الثروات السودانية النفطية والتعدينية والزراعية، التي ترى الإمارات أنها الحل الأمثل للخروج من أزمتها الاقتصادية الطاحنة، لا سيما بعد فشل مخطط احتلال قطر.
هذا فضلاً عن أموال الإمارات التي تُدفع من أجل التطبيع وتمرير صفقة القرن، ودورها المثير للجدل في شراء عقارات الفلسطينيين في القدس وبيعها بعد ذلك لليهود.
جاءت انخفاضات أسعار البترول منذ عام 2014 ضربة موجعة لاقتصاد الدولتين، فعرفت كلتاهما عجز الموازنة العامة، والاضطرار إلى السحب من الاحتياطيات النقدية، بل والاقتراض الخارجي لتغطية نفقاتهما الداخلية بالإضافة إلى مشروعاتهما الإقليمية.
ومن الواضح أن انخفاض الإيرادات العامة لم يؤثر كثيراً على طموحات الدولتين لا سيما بعد معاودة أسعار النفط الارتفاع النسبي بعد ذلك، مما ساهم في تعويض بعض الخسائر واستمرار تنفيذ المشروعات المحلية والإقليمية.
ولكن بعد الأزمات المتلاحقة التي أصابت الاقتصادات العالمية جراء انتشار فيروس كورونا، ثم الحرب النفطية التي تتزعمها الدولتين مع روسيا وأدت إلى انخفاض أسعار النفط إلى أقل من 30 دولاراً للبرميل من المرجح أن تسقط الدولتين في أزمة اقتصادية ضخمة.
وتحت ضغط الأزمة كشف وزير المالية والاقتصاد والتخطيط السعودي محمد الجدعان أن الحكومة أقرت خفضاً جزئياً بما يقارب 50 مليار ريال، أو ما يمثل أقل من 5% من إجمالي النفقات في موازنة 2020، ضمن تدابير مالية تحويطية لمواجهة الآثار الناتجة عن تفشّي فيروس كوفيد-19، والانخفاض الحاد في توقعات نمو الاقتصاد العالمي وما تبعها من انعكاس سلبي على أسواق النفط، وتأثيرها المباشر على المالية العامة السعودية.
وأضاف الوزير السعودي أنه نظراً إلى احتمال استمرار الآثار المترتبة على انتشار الفيروس وتفاقمها وتبعاتها على الاقتصاد العالمي، فإنه سيعاد تقييم المستجدات ومراجعة بنود النفقات واتخاذ القرارات المناسبة في حينها، بما يعني أن هذا الخفض ليس الأخير وربما تتبعه تخفيضات أخرى يعلن عنها قريبًا. ووفقاً لوكالة "رويترز"، فإن الرياض طلبت بالفعل من مؤسسات حكومية تقديم مقترحاتها لخفض موازناتها بما لا يقل عن 20%.
وطبقاً لحسابات أرقام "كابيتال" فإنّ السعودية قد تشهد ارتفاع العجز في موازنتها لعام 2020 إلى 16.1% من التقدير السابق البالغ 6.4% إذا بلغ متوسط أسعار النفط 40 دولاراً للبرميل، بينما سيقفز إلى 22.1% إذا كان متوسط الأسعار 30 دولاراً وهو ما يعادل 170 مليار دولار، ومن الجدير بالذكر أن 86.5 دولار للبرميل هو سعر التعادل للموازنة السعودية.
ومن المتوقع أن يتعرض الاقتصاد السعودي لخسائر فادحة ليس فقط بسبب الانخفاض المدوي لأسعار النفط وإنما أيضاً كنتيجة لإغلاق دور السينما والمراكز التجارية والمطاعم، وتعليقها رحلات الطيران وأداء مناسك العمرة، ومنعها الخروج والدخول من منطقة القطيف (شرق) التي يسكنها نحو نصف مليون نسمة في محاولاتها لاحتواء انتشار الفيروس.

ورغم نجاح دولة الإمارات خلال الفترة الماضية في التنويع الاقتصادي وعدم الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للإيرادات العامة إذ أضحى القطاع غير النفطي يساهم بحوالي 70% من الناتج المحلي الإجمالي، فإن هذا التنويع جاء في زاوية الاعتماد على قطاعات الصناعة والسفر والسياحة وتجارة التجزئة والتشييد والعقارات، التي ضخت فيهم الإمارات مئات المليارات من الدراهم ووظفت فيها ملايين العمال، وكلها قطاعات تعاني الآن بشدة بسبب التأثيرات السلبية لانتشار فيروس كورونا.
ويمكن القول إنه رغم هذا التنويع الاقتصادي الإماراتي الملحوظ فإن النفط سوف يظل أحد الأعمدة الرئيسية لدخل الإمارات، وإن انخفاض أسعاره سيؤثر بشدة على عجز الموازنة العامة لا سيما أنه طبقاً لوكالة فيتش للتصنيف الائتماني فإن سعر التعادل للموازنة الإماراتية يبلغ نحو 70.19 دولار للبرميل، ما يعني انخفاض السعر أكثر من 40 دولاراً عن سعر التوازن، بالإضافة إلى أن القطاعات الأخرى التي يعتمد عليها الاقتصاد الإماراتي لا سيما السياحة متأثرة بشدة في الظرف الراهن، بخاصة في ظل التهديدات المحتملة بإلغاء معرض إكسبو 2020 الذي تستضيفه الإمارة الخليجية، وتعوّل عليه إمارة دبي في جذب 25 مليون زائر لتنشيط قطاعيها التجاري والسياحي، بما يساهم في الخروج من أزماتها الاقتصادية المتلاحقة خلال الأعوام الماضية.
إنّ ضربة فيروس كورونا وانخفاض أسعار النفط المزدوجة للسعودية والإمارات ربما تتخطى كونها جرس إنذار اقتصادي إلى تأكيد هشاشة مشروعاتهما الإقليمية وبخاصة دعم الثورات المضادة والعمل ضد إرادة الشعوب، ومع تآكل الاحتياطيات النفطية والصعوبات الاقتصادية المتوقعة ربما يؤدي إلى تهاوي المشروعات الإقليمية للدولتين وربما يحدث ما هو أكثر.
(TRTعربي)

Post a Comment

syria.suv@gmail.com

Previous Post Next Post

ADS

Ammar Johmani Magazine publisher News about syria and the world.