كان إعلان أنقرة فتح الحدود بين تركيا واليونان، أملاً لبعض اللاجئين السوريين العالقين في تركيا، مما دفع بعضهم لمحاولة عبور الحدود على أمل تغيير واقعهم، عمر الحمود يروي لمهاجر نيوز تجربته.
“منذ 9 سنوات يتعرض الشعب السوري لمضايقات، ضاقت بنا الأرض والحدود”، هكذا يسرد عمر الحمود، 27 عاماً، رحلة الغياب لمهاجر نيوز، القصة التي بدأت منذ هروبه الأول من قبضة يد “داعش” حتى صراعه الأخير على الحدود التركية اليونانية.
الهروب الأول
لم تكن الحياة سهلة في مدينة الميادين، حيث كان يقطن عمر مع عائلته المكونة من أشقائه الخمسة وشقيقاته الأربع ووالدته، إذ قبع سكان المدينة تحت سيطرة “داعش”، مطالبة إياهم بالمبايعة وإلا سيواجهون التعذيب، “اعتقلت لأسبوع، تم خلالها جلدي بالسياط، ولهذا قررت الهرب إلى تركيا”، حسبما يروي عمر.
الأشهر الأخيرة في عام 2014، حملت عمر إلى مدينة “أورفا” التركية، بعد أن انتقل عبر طرق التهريب غير القانونية، وبمساعدة المهربين، ممن وصفهم بـ”تجار البشر”، مضيفاً: “بالنسبة لهم نحن أموال متنقلة فقط”.
الوصول إلى الجانب التركي كانت البداية فقط، إذ أن تأمين مكان للمبيت والحصول على عمل يكفيه قوت يومه، كانا من أولوياته، “العمل في أورفا صعب، لم أحصل على مالٍ كافٍ، وساعات عمل طويلة”.
ولكنه خلال تلك الفترة استطاع استئجار منزل لعائلته في أورفا، بعد أن باعوا منزلهم وأملاكهم في سوريا، ووفروا بها بعض المال لبدء حياة جديدة بعيداً عن نيران الحرب، “تعرض جزء من منزل أهلي إلى القصف، الخروج من سوريا كان الحل”.
بيد أن تأمين لقمة العيش دفعته إلى اختيار اسطنبول كمحطة ثانية بعيداً عن أهله، “عملت آنذاك في مخبز صغير، لم أحصل على راتبي الشهري وتم فصلي من العمل”، وبهذا بقي دون مأوى أو عمل، “كان لدي 11 ليرة تركية فقط في جيبي، وتقطعت بي السبل”.
كل هذه الأحداث جعلت من ظروف العيش في تركيا “تجربة مهلكة”، حسبما يذكر عمر، “لم أحصل على إقامة، ليس هناك مستقبل في العمل، لقمة العيش صعبة ومتعبة”.
“التجربة الأكثر رعباً”
“الحلم الأوروبي”، لم يعد هدفاً عادياً لعمر، بل أصبح مطلباً للاستمرار كما يروي، “شاب في مقتبل العمر، سرقت مني الحرب جامعتي ومستقبلي، وتركيا ليست مكاناً لبنائه”، ولهذا قرر أن يركض خلف أحلامه وأمانيه، “حتى أكمل تعليمي ودراستي”.
المحاولة الأولى كانت في عام 2019، “قررت مع شباب آخرين، أن نهرب إلى الاتحاد الأوروبي”، ولكن كان مصير هذه الرحلة أن تموت في مرقدها، بعد أن حصل المهرب على المال وتركهم في نصف الطريق، “دفعنا 200 دولار عن كل شخص، ولكن تعرضنا للاحتيال”.
هذه التجربة الأولى لم تمنعه من المحاولة مرة أخرى بعد أسابيع قليلة، لتبدأ قصة “الهرب” التي وصفها بـ”التجربة الأكثر رعباً في حياته”. هذه المرة استطاع عمر ورفاقه الإحدى عشر أن يصلوا إلى الجانب اليوناني تحت كنف عاصفة هوجاء، كما ذكر لمهاجر نيوز، كانت ليالٍ طويلة بين الغابات وتحت الأمطار، وظلمة ليلٍ ينيره البرق لا غير، دون ماء والقليل من الطعام، “تربصت بنا حيوانات الغابة في كل مكان، بتنا نحاول الحصول على قطرة ماء من أي نبع قريب، وتنقلنا تحت ستار الظلمة حتى لا يتم اكتشافنا”.
أزمة اللاجئين على حدود تركيا-اليونان
في نهاية رحلتهم، وصلوا إلى مدينة يونانية، وبعد أيامٍ من الجوع والعطش، تمكنوا من شراء طعام وتوجهوا به إلى مسجد قريب، “أخذنا استراحة داخل المسجد، وحينما ظننا أننا في مأمن، دخل طفل المسجد وغادر، وبعد دقائق قدمت دورية الشرطة”.
لم تكتفِ الشرطة اليونانية باعتقالهم وإعادتهم إلى تركيا فقط ، إذ يذكر أنه تم “احتجازهم، وتعرضوا للضرب المبرح”، أصيبت يد عمر خلال هذه الفترة، معقباً: “لم تكسر ولكني تألمت جداً حتى اضطررت لربطها”.
وفي مشهد “مؤلم” يصف عمر ساعات الاحتجاز، “بكوا الشباب من أجل رشفة ماء”، طرقوا قضبان السجن من أجل أن يصمت العطش في حناجرهم، إلا أن قوات مقنعة دخلت عليهم، كما يذكر، “ضربونا بالهراوات يمنة ويسرة”.
يتنفس عمر الصعداء، ويعقب: “بعدها أرجعونا إلى تركيا”، العودة إلى الحدود التركية ليست سهلة، حسبما يقول، “إذا مسكنا الدرك التركي على الحدود، سوف يرحلنا إلى سوريا، وهذا ما لا نريده”، إلا أنهم استطاعوا التسلل مرة أخرى إلى داخل اسطنبول.
هذه المرة وصفها عمر بـ”نهاية تطلعاته”، أقنع نفسه بأن يترك حلم الحصول على إقامة شرعية في أوروبا، وفضل البقاء في تركيا بشكل غير قانوني، وفي عمل لا يكفيه حاجته اليومية، “مرضت أسبوعاً كاملاً، كل هذا الضرب، والمطر، والتعب أصبح كافياً، لا أريد أن أخوض هذه التجربة مرة أخرى”.
محاولة ثالثة!
فور سماع عمر خبر فتح تركيا للحدود وإمكانية المرور بكل سهولة، قرر الشاب السوري خوض التجربة للمرة الثالثة، “حينما ذهبت للحدود كان هناك ما يقارب 15 ألف شخص، أصبحوا خلال ليلة 40 ألف شخص”.
خليط جنسيات مختلفة، أطفال ونساء، رجال وشباب، “فوضى عارمة” كما يصفها، الكل يرغب بأن يعبر الحدود إلى مأمنٍ، “كان هناك اشتباكات بين القوات الحدودية اليونانية، واللاجئين القابعين على البوابات”، حسبما يروي عمر.
انتشر الخوف بين الأطفال، المئات من القنابل الغازية سقطت على المتواجدين، كما ذكر عمر، “لا أتمنى هذه الساعات حتى لألد أعدائي، ليكن الله في عون الناس”.
ومع هذا حاول عمر ومن معه أن يجدوا سبلاً لتحقيق مبتغاهم، “قررنا أن نعبر الحدود من نقطة أخرى”، مضيفاً أنهم قوبلوا بالرصاص الحي، واستطاعت الشرطة اليونانية إلقاء القبض على المتواجدين، “جردونا من ملابسنا، وضربونا”، على حد تعبيره، مضطرا بعدها للمرة الثالثة أن يعود أدراجه إلى تركيا
لم يفقد عمر الأمل، قائلاً: “في انتظار القرار السياسي، لعلّهم يجدون حلاً لنا، نحن المشردون في أطراف الأرض، وعلى الحدود”.