غيّر فيروس كورنا أجواء رمضان هذا العام، فلم نشهد “لمة العائلة” أولى أيام رمضان لكون التجمعات ممنوعة وقرارات حظر التجول حالت دون إحياء هذا الطقس، فضلاً عن إيقاف وسائل النقل الجماعي.
واختلفت الأجواء في شهر رمضان الحالي عن غيره من الأعوام السابقة، نظراً لأزمة تفشي فيروس كورونا، فتراجعت مظاهر اجتماعية صمدت على مدار قرون، وقلت مظاهر الاحتفاء بقدوم الشهر، بداية بالإحياء بالجوامع وصولاً لأجواء ما بعد الإفطار.
الطقس الأهم الذي افتقده السوريون هذا العام هو صوت طبلة المسحر أو كما يسمونه بالعامية “المسحراتي”، فبعد أن سجل حضوراً دائماً لسنوات طويلة، يسجل غياباً مفاجئاً هذا الشهر، فكان من الصعب استمرار عمله بالتجول ليلاً، خاصة في ظل سريان إجراءات الحظر التي بدأت قبل رمضان.
فكما اعتاد السوريون، وبمجرد بدء شهر رمضان المبارك من كل عام ، يتجول في لياليه شخص خفيف الحركة كثير التنقل خلال وقت محدد بين منتصف الليل وحتى ساعات الفجر الأولى ، ملازماً شوارع المدينة وأحياءها السكنية، منادياً بعبارته الشهيرة “اصحى يا نايم .. وحد الدايم .. رمضان كريم”.
المسحراتي، الشخصية الرمضانية الأكثر ارتباطاً بتراث الشهر المبارك، كانت غائبة أو حاضرة بشكل محدود جداً هذا العام، فلم تسمح القرارات بمزاولة هذه المهنة خلال الشهر الفضيل، إلا أن حضوره كان (أهلية بمحلية).
فقد يخرج أحد الجيران في حارة ما منادياً على أهل حارته بنفس عبارات المسحر ليعيد لذاكرتهم ذلك التراث من جهة، ويوقظ من فاته الاستيقاظ، خاصة أن أغلب الناس لم يعتادوا بعد على غياب المسحر متأملين أن يسمعوا صوت الطبلة في إحدى الليالي مجدداً.
وفي وقت أعرب الدمشقيون عن افتقادهم صوت المسحر، أكد نائب محافظ دمشق أحمد نابلسي لتلفزيون الخبر “وجود عدد من الطلبات من المسحراتية في دمشق للحصول على الموافقة للتجول خلال فترة الحظر، لكن لم يبت بها حتى الآن”، مضيفاً أن “الطلبات تم تقديمها قبل رمضان بوقت قصير لذلك تم التأخر بالدراسة”.
وبين نابلسي أنه “للبت بالموافقة، يجب تقييم الشخص الذي تقدم بطلب فلا يمكن السماح لأي شخص بمزاولة المهنة والتجول بين الحارات والوصول لمنازل الناس قبل تقييمه، ويجري العمل على هذا التقييم بالسرعة القصوى”.
وحتى لا يقع اللوم كله على قرارات المحافظة، قال أحد العاملين في مهنة المسحر سابقاً لتلفزيون الخبر، إنه: “تغيّب هذا العام عن العمل لكون الطرقات خالية تماماً، إلا من دوريات الشرطة”، فبرأيه: “كان يتونس بكم شخص بالطريق سلم عليهم وقت السحور.. هلأ الواحد مالو نفس يطلع عالطريق”.
شخص آخر يعمل في مهنة المسحر بإحدى حارات الشام القديمة، يقول: “هذا العام استعملت حنجرتي في المنزل لزوجتي وأطفالي وجيراني”، مضيفاً “قدمت طلب للمحافظة على أمل أرجع استعمل الطبلة.. بفترة السحور مافي تجمعات”.
ويبقى الأمل بعودة هذا التراث اليوم متوقفاً على موافقة محافظة دمشق على الشخص المتقدم بطلب لمزاولة المهنة، وإصدار قرار يسمح لهم بالتجول خلال ساعات حظر التجول فجراً.