كاتب المقال: اسكندر
لطالما أحببت مرض الزهايمر ، رغم كل المقالات و الحوارات و الندوات الطبية حوله و التي تتحدث عن سوءه ، و محاولات الأطباء لعلاجه ، و طرحهم لأساليب الوقاية منه و كيفية التعامل مع المصابين به ، و الذي يحدث دوما أنهم كبار السن .. لكني أحبه ..
كم سأكون سعيدا ، حين أستيقظ بعد الثانية عشرة كعادتي ، و لا أدري ما هو اليوم ، فإني أظنه الأربعاء ، لكنه في الحقيقة السبت الذي بعده ، و خصيصا أني لم أفعل شيئا يذكر ، إلا أني كنت أساهم في القضاء على التدخين بإصراري على تدخين كل السجائر التي تقع تحت يدي ، لكن سأبدو سعيدا أكثر حين أعلم أنه السبت و أني لا أذكر ماذا حدث في الثلاثة أيام الماضية ..
و كم سأكون سعيدا ، حين يأتي أحدهم و لا أعلم من هو ، و إذا علمت من هو ، فلا أكون أعلم عن آخر التفاصيل التي عشناها سوية ، و حين سوف يبدأ بتذكيري ماذا فعلنا في مساء الخميس ، أو وقت ظهيرة الجمعة الطويل ، و يبدي انفعاله ، و يذكر حدثا تاريخيا ، مثل أنه عاكس -معي- فتاة في الشارع رغم الشيب الذي يغزو لحيته الكثيفة ، و أنا أقول له لا أعلم عن ماذا تتحدث !.. دائما أتخيل أني سوف لن أتذكر و لكني سأهتم لتفاصيل لا أعلم إن كنت قد فعلتها ، و أفكر بكمية الحماقة التي كانت تنتابني حين عاكست معه تلك الفتاة في الشارع ..
سأكون في قمة سعادتي حين يبدأ الزهايمر بالإستيطان في كافة أجزاء دماغي العتيق ، حين أنسى حتى أقاربي ، و أصدقاء طفولتي ، حين لا أعلم من هؤلاء الذين يحبوني فجأة و مين أين اتوا .. هل من كوكب فيه الكائنات الفضائية تعرفنا ونحن لا نعرفهم؟ ..و سأفرح أكثر حين لا أتذكر ما هي الوجبات التي لم اتذوقها في حياتي ، لأني من حزب معاداة اللحوم الحمراء ، ربما سأفكر في ابتلاع ثور كبير حينها ، و آخيرا سأعرف ما هو طعمه ..
و أنا متأكد ، و إن حدث هذا ، أني لن أقتنع بأني مريض ، فأنا ما زلت قادرا على القراءة و الكتابة ، و ملئ الكأس بالماء دون سكبه على السجادة ، و تغيير محطة التلفاز ، حتى أني أعرف كيف اقود السيارة ، و أستطيع تعداد الدول التي كانت في الإتحاد السوفياتي ، و أتذكر فريقي المفضل في كرة القدم ..
و لعل أكثر ما يفرحني ، أني وفي أول مرة في حياتي سأقوم -أنا- بإنكار كل أولئك الناس ، و إنكار كل تلك الذكريات ، و سيكون إنكاري حقيقيا للغاية ، و من باطنتي ، لأني قد حاولت كثيرا فيما مضى تقليد غيري ، أولئك الذين لهم قدرة مخيفة على إنكار الأشخاص و الأشياء و المواقف ، لكن ملامحي كانت تفضحني ، و أيضا عقلي لم يكن يساعدني ، فقد كان سليما ، و غير مصاب بالزهايمر ..
سوف أطلب من الأطباء الإنتظار ، حتى يظهر فروع جديدة للمرض ، زهايمر القلب و العاطفة ، زهايمر المعدة ، زهايمر حاسة الشم ، زهايمر حلاقة الذقن ، و زهايمر غسيل الكأس مئة مرة قبل استعماله .. و حين أصاب بجميع أنواع هذا المرض الجميل ، فليكملوا البحث عن العلاج ، فأنا لم أعد أكترث ، و لا أعرف من هذا الملتحي الغاضب الذي أمامي ، و لست أنا من عاكس تلك الفتاة في الشارع ، و اليوم هو الأربعاء ..