النبي (ص) وعملية التغيير في المجتمع الجاهلي (القسم الأول)


بقلم الدكتور عبد الهادي طهمازي 
كيف استطاع النبي (ص) أن يحدث تغييرا جذريا في المجتمع الجاهلي الذي كان يعاني من الجهل، وفقدان القيم، والظلم، وتدني الأخلاق، وشيوع الأنانية وحب الذات، والتعدي على الآخرين بانتهاب أموالهم، وهتك أعراضهم، وسفك دمائهم.  
فكيف استطاع رسول الله (ص) أن يحدث في مجتمع يئن من هذه المفاسد الأخلاقية الى مجتمع صالح يسوده التعاون وروح الأخوة والتفاني في سبيل الآخر والإيثار على النفس والإقبال على الآخرة بدل العمل للدنيا وحفظ الدماء والأعراض. 
ولا نريد أن نبالغ ونقول أن رسول الله (ص) تمكن من إصلاح كل ذلك المجتمع، لكنه (ص) تمكن من إصلاح شريحة كبيرة منه بكل تأكيد. 
إن عملية تغيير أي مجتمع تبدأ من أعلى الهرم وليس من الأسفل، بمعنى أن القائد المصلح هو من يصبح قدوة في الالتزام بالقيم والأخلاق ومجانبة الباطل والثبات على الحق ولو كان على النفس والأقربين. وهذا ما نلاحظه في سلوك النبي (ص) الذي كان داعية الى الله في سلوكه أكثر من لسانه. 
ومن جملة السلوكيات التي انتهجها النبي وجعلت المجتمع يتغير متأثرا بها ما يلي: 
أولا: الشفافية، بمعنى إطلاع الناس على ما يجري خلف الكواليس بكل صدق وأمانة، وعدم استعمال الكذب والخداع مع عامة الناس. 
البعض من القادة يتصور أن عامة الناس لا يفهمون ولا يدركون الأمور وأن الكذب عليهم أمر سهل، وهو لا يدرك أن البسطاء يفكرون بشكل فطري، ولا يعيق أفكارهم شيء من حسابات الدنيا، ولهذا لا تستغربوا حينما تجدون عامة الناس أحيانا أكثر وعيا من النخبة، يسير المجتمع في طريق ثم تسير القيادات خلفه. 
والنبي (ص) كان يطلع الناس على أدق التفاصيل بكل شفافية ووضوح، ولا يخفي شيئا على عامة الناس، وهذا خلق عظيم وسياسة حكيمة لأن عامة الناس سوف يشعرون أنهم مشاركون في اتخاذ القرار، وأن ما يقوم به قائدهم يجري أمام أعينهم وليس بالخفاء. 
ومن أمثلة ذلك:
بعث النبي (صلى الله عليه وآله) ذات مرة سرية -قطعة من الجيش- يقودها زيد بن حارثة لاعتراض قافلة لقريش كانت قد جاءت من الشام، وكان قائد القافلة أبو العاص بن الربيع زوج زينب -وهي مختلف فيها أنها بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو بنت خديجة لزوج آخر-، فتمكن زيد من الاستيلاء على أموال القافلة، وهرب أبو العاص بن الربيع، ثم جاء تحت جنح الليل واستجار بزوجته بنت زينب، فلما كبَّر النبي (صلى الله عليه وآله) لصلاة الصبح، وكانت النساء تصلي جماعة من جانب من المسجد، رفعت صوتها قائلة: إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع.  
 فلما فرغ النبي (صلى الله عليه وآله) من صلاته، أقبل على الناس فقال: ((أيها الناس، هل سمعتم ما سمعت؟ قالوا: نعم، قال: أما والذي نفس محمد بيده ما علمت بشيء مما كان حتى سمعتم، إنه يجير على الناس أدناهم)).

Post a Comment

syria.suv@gmail.com

Previous Post Next Post

ADS

Ammar Johmani Magazine publisher News about syria and the world.