جذوة الحركة الاحتجاجية في فرنسا التي تقودها حركة أطلقت على نفسها اسم “السترات الصفراء” تتجدد رغم مرور أكثر من عام على انطلاقتها احتجاجا على السياسات الاقتصادية والاجتماعية لحكومة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ما يؤكد أن هذه الحركة مستمرة لحين تحقيق الأهداف التي خرجت من أجلها وعلى تنصل الحكومة الفرنسية وفشلها في الاستجابة لتلك الأهداف.
الاحتجاجات المتجددة كل يوم سبت قابلتها قوات الشرطة الفرنسية بقنابل الغاز وشن حملة اعتقالات في صفوف المشاركين فيها إذ أشارت المصادر الإعلامية إلى أن السلطات الفرنسية اعتقلت 59 شخصا من المحتجين يوم السبت الماضي الذين أطلقوا شعارات تندد بالشرطة الفرنسية والرئيس ماكرون ومشروعه لإصلاح أنظمة التقاعد في البلاد.
وردد المشاركون في احتجاجات السبت هتافات “ماكرون نحن آتون إليك في منزلك” و”الشوارع لنا” كما انتشرت صور فيديو تؤكد ممارسات الشرطة أساليب القمع ضد المحتجين بينها شريط لمصور وكالة الصحافة الفرنسية يظهر قيام الشرطة باعتقال شاب وضربه ووجهه مغطى بالدماء.
احتجاجات السبت المتجددة جاءت بالتزامن مع الإضراب العام الذي يشل حركة النقل العام في فرنسا منذ نحو شهرين احتجاجا على مشروع الحكومة الفرنسية لاعتماد نظام جديد للتقاعد وهو أطول إضراب متواصل في فرنسا منذ 30 عاما مع غياب لأفق حل الأزمة.
وبالتزامن مع الاحتجاجات في شوارع باريس حاول محتجون فرنسيون اقتحام عرض مسرحي كان يحضره الرئيس ماكرون وزوجته ورددوا هتافات تطالب باستقالته كما سبق ذلك بيوم قيام عمال مضربين على إجبار إدارة متحف اللوفر بباريس على إغلاق المتحف بعد أن سدوا مدخله احتجاجا على تعديلات تعمل حكومة ماكرون على فرضها على نظام التقاعد.
النقابات الفرنسية المعارضة للتعديلات على نظام التقاعد قالت في بيان “في قلب هرم اللوفر حيث اختار ماكرون أن يتم تنصيبه تشكلت جبهة معارضة نقابية ضد توجهاته الكارثية فيما يخص التقاعد”.
احتجاجات السترات الصفراء كانت انطلقت في السابع عشر من تشرين الثاني عام 2018 وبدأت أولا بالتنديد بارتفاع أسعار الوقود وكذلك ارتفاع تكاليف المعيشة ثم امتدت مطالبها لتشمل إسقاط الضرائب التي أقرتها الحكومة الفرنسية والتي ترى الحركة أنها تستنزف الطبقتين العاملة والمتوسطة فيما تقوي الطبقة الغنية وصولا إلى المطالبة برحيل ماكرون عن السلطة.
الحكومة الفرنسية ومنذ بداية الاحتجاجات استخدمت العنف المفرط وقامت الشرطة بقمع المتظاهرين ما أدى إلى مقتل وإصابة الآلاف واعتقال المئات من المحتجين فضلا عن ارتكاب قوات الشرطة مخالفات جسيمة وثقتها وسائل الإعلام وناشطون الأمر الذي جعلها عرضة لسيل من الانتقادات.
مساعي الحكومة الفرنسية لاحتواء الحركة التي نجحت إلى حد كبير في لجم رغبات ماكرون بتمرير إصلاحات ليبرالية قاسية في عدد من القطاعات الحيوية ورضوخها لبعض مطالب المحتجين كتعليق الزيادة الضريبية على الوقود لم تنجح في إيقاف الاحتجاجات ورغم خفوتها في الأشهر الأخيرة من العام الفائت إلا أنه زاد زخمها مؤخرا بعدما انضم إليها معارضو مشروع إصلاح أنظمة التقاعد ونقابات قطاع النقل ما يعكس قوتها وحيويتها وعزمها إرغام الحكومة على تحقيق مطالبها الاقتصادية والمعيشية بشكل كلي بعيدا عن المسكنات.
مراقبون يرون أن حركة السترات الصفراء هزت كثيرا شعبية ماكرون الذي بات يخشى أن تتقاطع مطالب المحتجين مع مطالب فئات مهنية أخرى على أرضية اجتماعية وسياسة واحدة لتشكل عنصر ضغط كبير يكون بمثابة ضربة قوية لطموحاته للترشح لولاية ثانية وسط انتقادات الناشطين للامبالاة الحكومة تجاه مطالبهم وتقاعسها عن اتخاذ إجراءات عاجلة وملموسة.