بعد ان فاز الرئيس التركي رجب طيب اردغان بـ”ورقة يانصيب” تمثلت باتفاق سوتشي حول ادلب السورية ،استعملها بذهنية انها تشرع له السيطرة على منطقة تتجاوز مع منطقة عفرين التي كان قد احتلها مع منطقة شمالي حلب غربي الفرات.
وتتجاوز هذه المنطقة ال 14 الف كلم2 من مساحة سورية البالغة 185 الف كلم2 و اذا ضمت اليها ما احتله في الأشهر الأخيرة من العام المنصرم و اسماه منطقة امنة لامست ال 4500 كلم2 ، اذا جمع كل ذلك يكون اردغان عبر الاحتيال و الإرهاب و العدوان امتلك السيطرة على 110 سورية ما يتيح له ادعاء الفوز بتعويض كافي له للقول بانه انتصر في سورية و امتلك مفتاحا فاعلا للتدخل في شؤونها عوض له شيئا من خسارته لمشاريعه الأولى الرامية الى السيطرة على 6 دول عربية عبر الاخوان المسلمين او السيطرة على سورية و بعض العراق.
اقنع اردغان نفسه بان بوتين سيكون مطواعا لرغباته مستجيبا لطلباته، لأنه ظن بان الروسي بحاجة اليه كونه عضوا في الحلف الأطلسي ويحكم دولة ذات موقع استراتيجي مميز بشكل عام وذو خصوصية مفرطة بالنسبة لروسيا، كما ان تركيا تملك من الإمكانات والقدرات ما يجعلها قادرة على التأثير في اقتصاديات دول الجوار اللصيق والبعيد وروسيا منها ثم جاء التساهل الروسي مع عدوانيات اردغان ليعزز اعتقاد الأخير.
اما سورية التي قبلت باتفاق سوتشي وفقا لفهم ساعدها الروسي على تظهيره ، فأنها تعاملت معه على أساس انه جسر لتحرير ادلب على مراحل قد تتطلب وقتا طويلا نسبيا لكنه مسار تحرير محدود الكلفة مضمون النتائج كما وعد الروسي ، و مع هذا و لان المؤمن لا يلدغ من الجحر مرتين ولان سورية لدغت من الجحر التركي و ذاقت منها الامرين من خلال غدرها و انقلابها على اتفاقات سابقة ، فإنها تعاطت مع الامر وفقا لعنوانين سياسي و عسكري : الأول ثقة بالتعهد الروسي و لذلك أوقفت العمل العسكري الذي كانت تستعد له في أيلول 2018 و الثاني بالمحافظة على الجهوزية لأطلاق هذا العمل عندما تتهيأ ظروفه الميدانية و السياسية و الاستراتيجية بعد تعثر الأول واعتمدت له استراتيجية الوثبات المدروسة والتحرير بالقضم المتتابع.
لقد رفعت تركيا لوحة تفاهم سوتشي كشعار، ولكنها عملت بمقتضيات مشروعها الخاص حصريا، ولم تنفذ من اتفاق سوتشي حرفا واحدا لمصلحة سورية، لكن سورية التي كما قلنا لم تثق لحظة باردغان، كانت تستغل كل عدوان إرهابي تدعمه تركيا، او كل خرق مباشر لتفاهم سوتشي ومناطق خفض التصعيد وتنفذ ردة فعل عليه تتمثل بوثبة تحرير مدروسة، وبهذا نفذت وثبات مورك ثم خان شيخون ثم معرة النعمان ثم سراقب. وكانت مع كل وثبة تحدث تغييرا ميدانيا له أحيانا ابعاد استراتيجية وتأثيرات سياسية لكن الأخطر والأهم والاعمق تغييرا كان فيما احدثته العمليات الأخيرة التي صحت تسميتها ب ” عملية الامن لحلب وطرقها “فما هي نتائج هذه العمليات وما هي مفاعيلها؟
لقد حققت عملية “الامن لحلب وطرقها “والتي نفذت ردا على جرائم الإرهابيين و محاولتهم اقتحام مواقع سورية محررة في غربي حلب و ريفها وريف دلب ، حققت إنجازات عسكرية هامة في طليعتها تحرير ما كان تبقى بيد الإرهابيين من احياء حلب الغربية وأكمل بذلك تحرير حلب التي انجز معظمه في العام 2016، ثم وسعت نطاق الامن المباشر لحلب بشعاع يتراوح بين 12 و15 كلم، أي ابعاد صواريخ الارهابيين عن المدينة وتأمنيها امنيا بالكامل، ولا يقل أهمية ما تحقق على صعيد المواصلات من والى حلب حيث تم فتح المطار الدولي وفتح طريق حلب دمشق الدولي السريع بعد 9 سنوات اقفال. وبهذه الإنجازات تكون قد حررت وطهرت من الإرهاب مساحة 3000 كل م2.
لقد اذهلت نتائج “عملية الامن لحلب” واستئناف العمل و تشغيل المواصلات الجوية و البرية اليها اذهل اميركا التي فهمت المعنى الحقيقي للإنجاز المتحقق بربط عاصمة سورية الاقتصادية (حلب) بالعاصمة السياسية ( دمشق) و تفعيل شرايين الاتصال و الانتقال بين اهم مراكز الثقل النوعي الاستراتيجي السوري ، فالذي يفهم المدلول ويحلل الصورة يعلم ان سورية بهذا العمل تدفن نهائيا مشاريع العدوان التي استهدفتها ، و تجمع أوراق المناورة في مواجهة الحرب الاقتصادية التي تشن عليها ، اما اردغان الذي اختل توازنه لا بل دخل متخبطا في حالة انعدام الوزن و الهذيان راح يطلق التهديدات التي يعلم هو قبل غيره انه ليس قادرا على تنفيذها ، و لكنه اصر على ممارسة العمل باستراتيجية الضفادع و التهويل عبر ادخال 10.000 عسكري من الجيش التركي و انذار سورية بوجوب العودة الى خطوط ما قبل العملية ، فجاءت مواقف الرئيس الأسد الهادئة لفظا و المدوية مضمونا لتوجه اليه صفعة قوية خاصة عندما تعهد الرئيس بمواصلة العمليات لسحق الإرهاب و تحرير الأرض دونما مبالات بالفقاعات الصوتية الاتية من الشمال ( و يقصد مواقف اردغان تلك ) و اتبعتها قيادة الجيش ببيان اغلاق الأجواء السورية ضد أي طيران معادي .
لقد رسمت عملية “الامن لحلب وطرقها “مسرحا ميدانيا فرض فيه الجيش العربي السوري وحلفاؤه قواعد عمل واشتباك جديدة، رافقتها سلوكيات اطلسية لا يمكن تجاوزها. حيث ان اردغان وبعد ان لمس فشل ما لجا اليه من تهويل تركي ضد سورية لجأ الى الأطلسي وهدد به ـ وهنا كان الرد الصادم لاردغان حيث لم يستجب هذا الحلف لشيء من طلبات حاكم تركيا لا بل وجه اليه صفعة مؤلمة عندما استبعده عن مناورات اذار المقبل التي سيشارك فيها 41 ألف عسكري أطلسي ليس فيهم تركي واحد.
اما اميركا التي كانت ولا زالت تستعمل اردغان أداة مشاغلة ليطيل امد الصراع في سورية ويؤخر استحقاق تحرير شرقي الفرات من ال 800 عسكري أميركي المعلن عن جودهم هناك، فأنها اكتفت بتصريح وقح تستنكر فيه قيام سورية بفتح وتشغيل مطار حلب وطريق حلب السريع ال M5.
هذه السلوكيات اكدت بان حلفاء اردغان المفترضين تركوه يتخبط ولن يغير هذا الاستنتاج ما يقال عن لقاء تركي فرنسي الماني روسي للبحث في مسالة ادلب، التي بات اردغان مستميتا لتجميد الوضع فيها على ما هو عليه الان خاصة وانه يخشى من استئناف العمليات السورية لتحرير تلك المدينة التي لا تبعد عن المواقع الأمامية للجيش العربي السوري الان أكثر من 14 كلم.
وأخيرا ومع استبعادنا لأي مواجهة عسكرية روسية -تركية، او مواجهة سورية -اطلسية، والاعتقاد بان المواجهة السورية-التركية تبقى منخفضة الاحتمال جدا لن تقع الا إذا ارتكب اردغان فعلا جنونيا كاملا، فاننا نرى ان الميدان السوري بات محكوما بقواعد عمل واشتباك جديدة تؤلم تركيا كالتالي:
1) جهوزية الجيش العربي السوري وحلفاؤه لمعالجة أي عائق يعترض تنفيذ مهماته حتى ولو كان هذا العائق جيشا تركيا وعلى اردغان ان يستوعب جيدا ما جرى لجنوده الذين قتلوا بنار سورية عندما حاول الارهابيون الاحتماء بهم، او ما حصل لقواعده النارية التي قدمت الدعم للإرهابيين في هجومهم على النيرب وأخيرا البيان الصريح الذي أعلنت فيه القيادة السورية انها تغلق اجوائها بوجه كل عدو وأنها ستستعمل كل الوسائل المتاحة من اجل ذلك (وطبعا يدخل ضمنها ال س 300 الذي بات امر تشغيله بيد سورية)
2) ان روسيا ليست بصدد إعطاء مهل اضافية لتركيا وأنها ملتزمة بدعم الجيش العربي السوري في مهماته لتحرير ادلب، ولن يكون امام اردغان فرصا جديدة او منارة احتيال أخرى، فروسيا نفد صبرها وهي تقر مطلقا بحق الجيش العربي السوري في تنفيذ تلك المهمات وله ان يتابع وفقا لما يراه وعلى الاخرين احترام وحدة الأرض والسيادة السورية.
3) عدم واقعية او جدية او جهوزية الحلف الأطلسي لدعم تركيا في مشروعها الخاص في ادلب وجل ما يمكن تقديمه هو دعم لفظي لا أكثر. وقد طويت صفحة مسرحيات الكيماوي التي كان الأطلسي يلعبها لتبرير التدخل العدواني المباشر ضد الجيش العربي السوري.
4) انكشاف محدودية قوة تركيا في مساندة الإرهابيين واستعمالهم خدمة لمشروعها الخاص الذي بات نجاحه شبه مستحيل، وسيكون لهذا الانكشاف ارتدادات خطيرة على معنويات الإرهابيين الذين كانوا يتصرفون بطمأنينة مطلقة الى قوة تركيا الداعمة لهم ولمسوا الان بل تأكدوا ان الجيش العربي السوري لا يعبأ ولا يهتم بما تدعيه تركيا من هيبة عسكرية او ما تضعه من خطوط حمر وكانت عملية النيرب التي سحقها الجيش العربي السوري نموذجا.