شكّل إعلانُ «الإدارة الذاتية» قبول دمشق بالحوار معها، بعد وساطة روسية، خرقاً إيجابياً مهمّاً في ملفّ شرق الفرات.
خرقٌ يبدو أنه يصطدم بعرقلة أميركية، لإفشال الوصول إلى حلّ سوري – سوري، قد يفتح الباب على عودة تدريجية للحكومة السورية إلى مناطق انتشار النفط والغاز.
وعلى رغم إعلان رئيس الهيئة التنفيذية لـ«مجلس سوريا الديمقراطية»، إلهام أحمد، في تصريحات إعلامية، أن «دمشق وافقت، وبوساطة روسية، على البدء بمفاوضات سياسية، مع إمكانية تشكيل لجنة عليا لمناقشة قانون الإدارة المحلية، والهيكلية الإدارية للإدارة الذاتية»، إلا أن حديثها عن أن «المباحثات لا تزال في أحرفها الأولى»، وأن «الانتقال إلى مرحلة الجدّية يتطلّب أجندة وخطط عمل»، من شأنه تضعيف التوقّعات بتطوّر بارز في مسار التفاوض، الذي تُناقَش آلية البدء به منذ سنوات.
ووفق المعلومات التي حصلت عليها «الأخبار»، فإن وفداً من «الإدارة الذاتية»، برئاسة إلهام أحمد، وعضوية سنحاريب برصوم (الاتحاد السرياني)، بدران جيا كرد (الاتحاد الديمقراطي)، غسان يوسف (مجلس دير الزور المدني)، مصطفى مشايخ (حزب الوحدة)، وأحمد سليمان (الحزب التقدمي)، زار حميميم ودمشق يومَي الثالث والرابع من شباط/ فبراير الجاري. وتضيف المعلومات أن الوفد التقى في اليوم الأول الجنرال أليكسي كيم، ويوري يورباكوف، كممثّلَين عن وزارتَي الدفاع والخارجية الروسيّتَين، وتوجّه برفقتهما إلى دمشق، حيث التقوا رئيس مكتب الأمن الوطني السوري، اللواء علي مملوك.
وتنقل المعلومات، التي حصلت عليها «الأخبار» من مصادر مقرّبة من الوفد، أن «الروس أكدوا دعمهم وتشجيعهم لخطوة إنجاز اتفاق شامل بين الإدارة الذاتية والحكومة السورية»، كما أبدوا «استعدادهم ليكونوا ضامناً لتطبيق مخرجات الحوار، وتطبيقها على أرض الواقع». وتكشف المصادر أن «دمشق أبدت من جهتها استعداداً تاماً للحوار والتوصّل إلى اتفاق يعيد هذه المناطق إلى سيادة الدولة السورية»، بالإضافة إلى «إحداث لجان لدراسة هيكلية الإدارة الذاتية، ومقاربتها مع قانون الإدارة المحلية رقم 107، مع الاستعداد لإنجاز التعديلات اللازمة في حال تمّ التوصل إلى اتفاق شامل». وتؤكد المصادر أن الطرفين حقّقا تقدّماً هو الأول من نوعه، من خلال الاتفاق على تشكيل لجان لدراسة ملفات «الخدمات والتعليم والصحة والإدارة المحلية»، من دون تحديد أعضاء اللجان الخاصة بمناقشة تلك الملفات وتوقيت اجتماعها، كاشفة عن «تأجيل النقاش في الملفات الخاصة بمستقبل قسد وإدارة الثروات الباطنية إلى ما بعد تحقيق نتائج واضحة في الملفات الخدمية والتعليمية».
ويبيّن الباحث الكردي، فريد سعدون، المطّلع على تفاصيل المباحثات بين الطرفين، في حديث إلى «الأخبار»، أن «الإدارة الذاتية تطرح ثلاثة ملفات رئيسة للحوار، هي الإدارة الذاتية ومستقبل قسد وإدارة الثروات الوطنية، وهي مرفوضة تماماً من قِبَل دمشق». ويلفت إلى أن «دمشق تنظر إلى الإدارة الذاتية على أنها مشروع انفصالي، لأنها تتكون من جيش وسجون وجمارك ومعابر ووزارات من بينها الخارجية، وهو ما تعتبره دولة ضمن دولة». ويرى أن «دمشق قد تقبل بإضافة اللغة الكردية إلى المناهج، مع إعطاء خصوصية ثقافية واجتماعية للكرد»، مؤكداً أنه «لا يوجد حتى الآن أيّ اتفاق في حميميم أو دمشق، وإنما تفاهمات لمتابعة الحوار»، مشيراً إلى أن «اللقاءات كانت تهدف للبحث عن آلية لإطلاق الحوار ومَن سيشارك فيه وكيفية تمثيل مكوّنات المنطقة». وعلى رغم الإيجابية التي وَسَمت مسار اللقاءات، وتحقيق تقدّم يتعلّق باللجان، إلا أن ذلك لا يبدو مرشّحاً للتطوّر، في ظلّ الحديث عن محاولات أميركية لإفشال المحادثات.
محاولاتٌ سرعان ما برزت آثارها في تأكيد الرئيسة المشتركة لـ«مسد»، أمينة عمر، خلال اجتماع للمجلس في بلدة تل حميس الأربعاء الفائت، أن «اللقاءات التي جرت مع الحكومة، حول الاعتراف بمشروع الإدارة الذاتية وقسد ومواضيع متعلقة باللغة الكردية، لم تفضِ إلى نتائج حتى الآن»، واعتبارها أن «دمشق لا تزال تفضّل الحلول العسكرية على السياسية، وتماطل في المفاوضات». وربما يؤشّر هذا التصريح إلى ضغوط أميركية على «مسد»، أنبأت بها زيارات المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري، وعضو الكونغرس الأميركي رالف أبراهام، إلى مناطق سيطرة «قسد»، ولقاؤهما هناك قيادات عسكرية وسياسية. ووفق مصادر مطلعة على تلك اللقاءات، فإن «الأميركيين نصحوا الكرد بالبقاء في صف المعارضة، وعدم الدخول في أيّ اتفاقات منفردة مع الحكومة السورية». وأضافت المصادر أن «جيفري وأبراهام طلبا من القيادات الكردية الحفاظ على مطالبهم الخاصة بالاعتراف بالإدارة الذاتية وعدم التنازل عنها»، لافتة إلى أن «هاجس واشنطن الحالي هو إبعاد الكرد عن الاتفاق مع دمشق». من جهته، يعتقد سعدون أن «التواجد الأميركي على الأراضي السورية له تأثيره على مسار المفاوضات بين الحكومة والكرد»، متابعاً أن «الأميركيين لا ينصحون الكرد بالاتفاق مع دمشق… ومن الممكن أن يقبلوا بالحوار بين دمشق والكرد، لكن بشروطهم».