يتفق اغلب المراقبين للتطورات الميدانية في شمال غرب سوريا، ان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في وضع لا يحسد عليه بالمرة، فالرجل حتى قبل اشهر قليلة ما كان ليتصور ان يصل به الحال الى ما وصل اليه اليوم، بعد مقتل ما يقارب اربعين جنديا تركيا في ادلب، فقد ثقة الروس، مثلما فقد ثقة الامريكيين، ولم يعثر على صديق في الناتو يشاطره مخاوفه، ويُنظر اليه في سوريا كمحتل يجب طرده، وفي داخل تركيا يتعرض لهجمة شرسة من قبل المعارض لمغامراته الخارجية.
هذه الحالة الصعبة التي يمر بها اردوغان، بعد مقتل العشرات من الجنود الاتراك خلال اليومين الماضيين في شمال غرب سوريا، هي وحدها فقط يمكن ان تفسر لنا لماذا يلجأ الى خطاب بسقوف ليس فقط عالية بل متعالية، فهو يتوعد بضرب حتى كبار المسؤولين في الدولة السورية، ويطالب بوتين بالتنحي جانبا وترك سوريا له ليفعل بها ما يشاء، وان جيشه لم يدخل الى سوريا بطلب من الرئيس الاسد بل بطلب من الشعب السوري وانه لن ينسحب من سوريا الا اذا طلب منه الشعب السوري ذلك!!.
الخطاب الاردوغاني اللافت يبدو انه لم يجد صدى لدى حلفائه الغربيين في الناتو، فهم ليسوا مضطرين للدفاع عن تركيا وفقا للمادة الخامسة من ميثاق الحلف كما يطالب اردوغان، فهذه المادة تتفعل لو ان تركيا هي التي تعرضت لعدوان، لا كما حاصل الان حيث تركيا هي المعتدية ولديها الاف الجنود والمرتزقة داخل الاراضي السورية، وهو ما لم يرق لاردوغان الذي اخذ يبتز اوروبا عبر السماح للاجئين السوريين بالتوجه نحو اوروبا.
خطاب اردوغان لم يلق ايضا اي صدى لدى الجانبين الروسي والسوري، حيث مازالت سوريا تؤكد على حقها في تطهير كامل ارضها من العصابات التكفيرية والجيش التركي المحتل ، وهو حق تكفله لها القوانين والشرائع الدولية، واما روسيا فمازالت ترفض اجراء اي لقاء بين رئيسها بوتين واردوغان، بل وحملت تركيا مسؤولية مقتل جنودها، كما جاء في تصريحات السفير الروسي لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا الذي اكد ان "الأتراك يُعلمون الروس بمواقعهم، ويتم نقل هذه الإحداثيات إلى الجيش السوري من أجل ضمان أمن الجنود الأتراك. إحداثيات المواقع التركية التي استهدفتها غارات الخميس لم تُسَلَّم إلى الجانب الروسي"، وهو ما يعني ان الجنود الاتراك كانوا في نشاط عسكري مع الجماعات التكفيرية الارهابية والتي كان من المفترض على تركيا ان تخرجهم من جميع المناطق التي يسيطرون عليها وفقا لاتفاقيات مناطق خفض التصعيد.
اليوم هو اخر يوم من المهلة التي حددها اردوغان لانسحاب الجيش السوري من الاراضي السورية في ادلب لتكون مرتعا للعصابات التكفيرية مرة اخرى، وليس امام اردوغان سوى خيارين ، الاول هو خيار الدخول في مواجهة عسكرية مفتوحة مع الجيش السوري وحلفائه وفي مقدمتهم روسيا، وعندها سيتورط كما ورطت امريكا صدام في غزو الكويت، والثاني هو خيار منطقي وعقلائي يحتم على اردوغان النزول من اعلى الشجرة، وترك الاوهام العثمانية، واقامة علاقات مبنية على التفاهم والاحترام المتبادل مع اصدقاء فرضتهم الجغرافيا والتاريخ والدين، وهو خيار يصب في صالح جميع بلدان وشعوب المنطقة وفي مقدمتهم تركيا.