وكأنه فيلم امريكي طويل، يعاد حضوره اعلاميا كل فترة زمنية، حيث لم يمض على النسخة الاولى من تمرد معتقلي داعش في سجون قسد ثلاثين يوما، حتى جاءت الاخبار عن تمرد ثاني، الضجيج الذي عم سجن الثانوية الصناعية في حي غويران في الحسكة كان في الساعة العاشرة من مساء الاحد، ترافق مع أعمال شغب وتخريب ادت الى فرار عدد من المعتقلين، وسط انتشار كثيف لقوى الأمن الداخلي في المدينة، وتطويق قوات مكافحة الإرهاب للسجن، بالتزامن مع تحليق لطيران "التحالف الدولي" في سماء المدينة.
لم تنتظر قسد لتعلن حالة الاستنفار في السجن المذكور، استقدمت تعزيزات عسكرية كبيرة، وطوقت المنطقة، وبعد ساعتين تقريبا من عصيان المعتقلين، سمع في السجن اصوات عيارات نارية، ترافق مع دخول سيارات اسعاف، لتوحي قسد انها تحاول انهاء الاستعصاء بالقوة، وتحدثت المعلومات الاولية عن فرار اربعة من قادة التنظيم مع عدد من الارهابيين علما ان قسد لم تشير الى رقم محدد لعدد الفاريين، وانما اكتفت بالقول " فرار عدد من السجناء".
الثانوية الصناعية في حي غويران في الحسكة والذي حولته قسد لسجن لارهابيي داعش، هي عبارة عن مدرسة تضم مجموعة من كتل الابنية كانت تستخدم في التدريب المهني، سيطر فيها الارهابيون مع بدء العصيان على ممر كبير، واقدم الدواعش على تكسير كاميرات المراقبة والجدران والنوافذ وأبواب المهاجع ، والجدران التي تربط المهاجع ببعضها، ومن ثم طالبوا "كما العادة" بلقاء وفد من التحالف، معتبرين ان التحالف خذلهم ولم يفي بوعوده للنظر بوضع المعتقلين وتسوية اوضاعهم او اعادتهم لديارهم، وتؤكد مصادر خاصة ان وفدا من الاسايش برفقة ضباط من التحالف الدولي، دخلو الى السجن واجتمعوا بعناصر داعش واستمعوا لمطالبهم، وبعد ذلك اعلن انتهاء الاستعصاء" واكدت المصادر ان المطالب التي تسلمها الوفد انحصرت في " ايجاد حل لملف الاسرى بشكل كامل، اما يقدمون لمحاكمة دولية او تسليمهم لدولهم لتتم محاكمتهم".
واوضحت مصادر خاصة اخرى ان " المتمردين في داخل سجن الثانوية الصناعية، اوضحوا لوفد التحالف ان احد اسباب العصيان هو طلب قسد من القوات الامريكية نقل عناصر من داعش من السجن الى الشدادي، تمهيدا لنقلهم الى العراق وهذا الامر يرفضه الدواعش، لمنع نقل مجموعات اضافة الى قاعدة عين الاسد في العراق، خوفا من تسلميهم للحكومة العراقية ان علمت بذلك" وبينت المصادر انه " وفي وقت سابق نقلت حوامات امريكية عناصر من القاعدة الامريكية بالشدادي الى قاعدة عين الاسد في العراق".
من يعرف هذا السجن يعلم انه محصن بشكل جيد ولايمكن الفرار منها الا بموجب اتفاق او مؤامرة بموافقة امريكية، في محاولة مكشوفة وواضحة لنقلهم الى الصحراء الفاصلة بين سوريا، والعراق، لتعزيز استمرار تواجد القوات الامريكية، واستخدامها كورقة ضغط من الاكراد والامريكين على الدول الاوربية لاستلام السجناء من رعاياها، ويدلل على ذلك ما بثته وسائل اعلام مقربة من التنظيم الارهابي والتي اشارت الى فرار عدد لابأس به من عناصر داعش وصلوا الى جنوب الحسكة وتحديدا الى منطقة العريشة .
باستقراء بسيط لما جرى في داخل سجن غويران، يتضح ان قسد تخفي الكثير من التفاصيل التي جرت في داخل الثانوية الصناعية، وان التخبط في البيانات التي خرجت بها لوسائل الاعلام تدل ان الامر يبدو مدبرا بين قسد وارهابيي داعش، لعدة اسباب، ابرزها هو موقع السجن الذي وجد بالقرب منه موقع للقوات الامريكية، والتحصين الشديد الذي يتمتع به بناء السجن، اضف الى ذلك ان احد الانباء التي وردت من داخل السجن تحدثت عن احتجاز عناصر داعش لعدد من من السجناء ، في حين لم يرد ان الارهابيين استحوذوا على قطعة سلاح واحدة، ما يعني ان قدرتهم على الفرار تكاد تكون معدومة، الا وفق سيناريو مرسوم بدقة ومتفق عليه، بالاضافة الى المكاسب التي تخطط قسد والقوات الامريكية للحصول عليها، واهمها اعادة ملف المعتقلين من داعش الى الواجهة الاعلامية والسياسية من جديد، لحصول قسد على الدعم المادي والسياسي من قبل الدول الاوربية، فالسجن الذي يضم بحدود اربعة الالاف معتقل، من خمسين جنسية عربية واجنبية، يعتبر ورقة ضغط مهمة وقوية، وذلك عبر التسويق من جديد ان قسد والقوات الامريكية هي وحدها القادرة على ضبط وحماية السجون التي تديرها بالتشارك مع القوات الامريكية، اما الامريكي الذي سيستخدم هذه الورقة للضغط على الاوربيين والطلب منهم من جديد ان تستلم كل دولة رعاياها من المعتقلين، وهذا سيضع الدول الاوربية والمجتمع الدولي تحت مطرقة السياسي الامريكي، الذي سيطوعها بالطرق المتواصل كما يشاء.