بالتزامن مع فتح الطريق الدولي الواصل بين دمشق وحلب، لتسهيل مرور المركبات عليه، مازالت تركيا والمجموعات المسلحة تلعب على شفير الهدنة الموقعة بين أنقرة وموسكو، عبر خروقات عدة تتفاوت بين رصاص قنص وقذائف صاروخية، والمسار الأشد خطورة هو استمرار الحشودات العسكرية التركية، وإعادة ترتيب هندسة المناطق عسكريا من قبل الجيش التركي والمجموعات المسلحة.
على ضفة الوضع الميداني، لا مقياس للخروقات التي تمارسها المجموعات المسلحة وتركيا، حيث تتركز معظم هذه الخروقات في خطوط التماس في محاور النيرب وقميناس وسرمين شرق إدلب في محيط مدينة سراقب، وفي بلدة حزارين في جبل الزواية وأيضا في معارة موخص والبريج بمحيط كفر نبل بريف إدلب الجنوبي ، كما في ريف حلب الغربي وتحديدا في بلدة الشيخ عقيل كما في محور دارة عزة والتي شهدت اشتباكات متقطعة، بينما تعامل الجيش السوري بحزم مع هذه الخروقات لمنع تكرارها، في الوقت الذي حافظت فيه أرياف حماة الشمالية الغربية واللاذقية الشمالية الشرقية على هدوء حذر، بعد تصعيد خلال الأيام الثلاثة الأولى من الاتفاق، كما غاب الطيران الحربي السوري والروسي عن أجواء المناطق المشمولة بوقف الأعمال القتالية في إدلب، منذ سريان الهدنة، في تأكيد واضح على التزام الجيش السوري والحلفاء بالهدنة الموقعة.
كل ذلك يأتي بالتوازي مع استمرار تدفق الأرتال التابعة للجيش التركي نحو إدلب، بالرغم من الهدنة ووقف الأعمال القتالية، حيث سجل دخول رتل عسكري تركي عبر معبر كفرلوسين بريف إدلب الشمالي، يتألف من نحو 100 آلية، اتجه نحو المواقع التركية في محافظة إدلب، وبذلك فإن عدد الآليات التي دخلت الأراضي السورية منذ بدء وقف إطلاق النار الجديد بلغ 650 آلية، بالإضافة لمئات الجنود.
كما ارتفع عدد الشاحنات والآليات العسكرية التي وصلت منطقة إدلب خلال الفترة الممتدة من 2 شباط الفائت وحتى الآن، إلى أكثر من 4050 شاحنة وآلية عسكرية تركية دخلت الأراضي السورية، تحمل دبابات وناقلات جند ومدرعات ونقاط حراسة متنقلة ورادارات عسكرية، فيما بلغ عدد الجنود الأتراك الذين انتشروا في إدلب وحلب خلال الفترة ذاتها أكثر 9100 جندي تركي.
هذا التدفق للمعدات العسكرية والجنود الأتراك لا يوحي مطلقا بأن الجانب التركي يعمل على استقرار المنطقة واستمرار الهدنة، وما السعي لتعزيز نقاطه العسكرية وإدخال الإمدادات اللوجستية التي ستصل للمجموعات المسلحة في أيام وقف إطلاق النار إلا دليل على أن هذه الهدنة يتعامل معها الأتراك كمرحلة في المعركة، وأنها من ممكن أن تنهار في أي لحظة.
وهذه الملاءة في دلالات الأحداث الميدانية، يرافقه تأهب وانتظار انتهاء اجتماع اللجان التقنية الروسية التركية، للبحث في تفاصيل تطبيق الاتفاق، والتي من المتوقع أن تمتد لفترة طويلة، قد تصل لأسابيع، للتوصل لصيغة تطبيق انسحاب المجموعات المسلحة من محيط الطريق الدولي الواصل بين حلب واللاذقية، وما ترحيل هذه النقاط إلى ساحة اللجان التقنية سوى دليل على وجود خلافات جوهرية، لم يتم حسمها في لقاء الرئيسين التركي والروسي، فنقطة المجموعات المسلحة وتصنيفاتها لوحدها، هامش يعتقد المراقبون أن التركي سيستغله للممطالة والتسويف وتأخير الانسحاب، كون العديد من تلك المجموعات خارج عباءة التبعية المباشرة للتركي، أي أنها تدعم من قبل التركي لكنه لا يسيطر على قرارها بالمطلق، بل يعمل معها على مبدأ التوافق في المصالح، ومنها ما هو إرهابي كجبهة النصرة والحزب التركستاني، والتي تتعامل مع الاتفاق كباقي الاتفاقات السابقة، أي أنه مرحلة " لقط أنفاس" واستراحة لإعادة ترتيب الأوضاع الميدانية والدعم لجبهات الاشتباك.
ودخل في هذه المرحلة أيضا، استخدام هذه المجموعات لسكان إدلب وريفها كورقة ضغط لإفشال الاتفاق، عبر الدعوات لانطلاق مظاهرات شعبية كبيرة في محور أريحا على الطريق الواصل للاذقية، في 15 آذار، موعد انطلاق الدوريات المشتركة الروسية التركية على هذا الطريق، ما يعني أن هذا الاتفاق مرشح للانفجار في أي لحظة بعد الأفخاخ العديدة التي يتولى تذخيرها التركي في الطريق لإنهاء وجود المجموعات المسلحة في إدلب، ومن أبرز هذه الأفخاخ هي تفاصيل الاتفاق والتطبيق، والتي تهدد المشروع التركي في شمال سوريا بالإضافة إلى المأزق الوجودي برمته للمجموعات المسلحة، ما يجعل أنقرة تسعى للعب على البنود التي يمكن تفسيرها بأكثر من وجه، واستغلال النقاط التي لم يكن فيها اتفاق واضح وحولت إلى اللجان التقنية مثل آلية مراقبة وقف إطلاق النار، وهذا ما يفسر التصريحات المتكررة للرئيس التركي حول الاتفاق، ويجعل المنطقة في ريف ادلب على الخط المواجهة المباشرة، والاشتباك الذي يدور هو على مسافة صفر، وعند وصول الخروقات إلى حد يبرر استئناف العمليات العسكرية، سنرى الجيش السوري يتابع عمليات التحرير، في تأكيد أن خرائط السياسة يرسمها العسكر في الميدان في وجه مجموعات مسلحة لا تلتزم بأي عهد أو ميثاق.