دافعت الحكومة البريطانية، أمس الأربعاء، عن قرارها التراجع عن بعض التزاماتها الواردة في إطار اتفاق "بريكست"، ما أثر على المفاوضات الصعبة أساساً مع الاتحاد الأوروبي حول العلاقات المستقبلية بين الطرفين.
وأعلن نائب رئيس المفوضية الأوروبية، ماروس سيفكوفيتش، أمس الأربعاء عن "طلب عقد اجتماع للجنة المختلطة الاستثنائية حول اتفاق الانسحاب في أقرب وقت ممكن ليتمكن شركاؤنا في المملكة المتحدة من إعطاء تفاصيل وتهدئة قلقنا الشديد من مشروع القانون".
وعبّر عن أمله في أن تقدم لندن تأكيدات "بأن اتفاق الانسحاب سيطبق فعلياً بأكمله وفي التفاصيل المقررة".
وقال رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، أمام النواب إن هذه التعديلات التي نشرت ظهر الأربعاء تهدف إلى "ضمان السيولة والأمان للسوق الداخلية البريطانية".
وبشأن الترتيبات الجمركية في أيرلندا الشمالية، قال جونسون إنها تهدف إلى تسهيل المبادلات التجارية داخل المملكة المتحدة بعد انتهاء الفترة الانتقالية التي تلت "بريكست" في أواخر ديسمبر/كانون الأول.
واعترف الوزير المكلف شؤون أيرلندا الشمالية في الحكومة براندون لويس بأن التراجع عن وثيقة لها صفة معاهدة دولية يشكل "انتهاكاً للقانون الدولي بطريقة محددة جداً ومحدودة".
ويؤجج هذا التبدل الخلافات في المفاوضات الصعبة أساساً مع الاتحاد الأوروبي حول اتفاق تجاري لما بعد "بريكست". وحذّر رئيس البرلمان الأوروبي من أنّ ذلك يعرّض لندن "لعواقب خطيرة" من المفوضية الأوروبية.
ورحب المتحدث باسم جونسون بدعوة سيفكوفيتش وقال "سوف نتفق على موعد في أقرب وقت ممكن"، مؤكداً إجراء محادثات الأربعاء بين رئيس الوزراء والزعيم الأيرلندي مايكل مارتن.
بينما تدافع الحكومة البريطانية عن قرارها، تعقد دورة ثامنة من المفاوضات بالغة الحساسية مع الاتحاد الأوروبي، بدأت الثلاثاء وستستمر حتى الخميس.
وعند وصوله إلى لندن، سيسعى مفاوض الاتحاد الأوروبي ميشال بارنييه إلى الحصول على توضيح بشأن هذه التطورات الأخيرة. وصرح وزير الدولة الفرنسي للشؤون الأوروبية كليمان بون، لوكالة "فرانس برس"، "نعمل بروح بناءة لكننا حازمون بشأن لب" القضية.
وعبّرت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون ديرلاين، عن "قلقها البالغ من إعلان الحكومة البريطانية ونواياها انتهاك اتفاق الانسحاب"، مؤكدة أن التراجع ولو جزئياً عن بنود في الاتفاق "ينتهك القانون الدولي ويقوض الثقة" بين الطرفين.
وأعلنت ألمانيا أنها "تنتظر" من المملكة المتحدة أن تطبق الاتفاق حول بريكست "بالكامل". وقالت ماريا أديبار، المتحدثة باسم الحكومة، إنّ "اتفاق الخروج هو أساس موقع ومصادق عليه بين الطرفين في نظر الحكومة" الألمانية.
من جهته، صرح المتحدث باسم الحكومة الفرنسية غابريال أتال بأن فرنسا "تستعد لكل السيناريوهات" بشأن بريكست، وعلى غرار ألمانيا، تدعو بريطانيا إلى "الاحترام الكامل لاتفاق الخروج". وأكد أتال "نحن مستعدون للتفاوض بنية حسنة لكن لتحقيق ذلك يجب أن نكون طرفين".
وتعهدت رئيسة وزراء إسكتلندا نيكولا ستورجون بمحاربة مشروع القانون، واصفة إياه بأنه "هجوم مباشر على نقل السلطة".
وتؤكد الحكومة البريطانية أن التعديلات ضرورية لتسهيل التجارة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد، بين إنكلترا وإسكتلندا وويلز وأيرلندا الشمالية، والمساعدة في تعزيز تدابير التعافي من جائحة كوفيد-19. وأكد وزير الصحة مات هانكوك أنه "مطمئن" لخرق بريطانيا لالتزامات بموجب اتفاقية الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، بعد أن اكتشفت في وقت متأخر فقط على ما يبدو مشكلات في أحكام الاتفاق لأيرلندا الشمالية.
وصرح أنّ "الالتزام الدولي الأساسي بشأن هذه القضية هو حماية عملية السلام في أيرلندا الشمالية وآمل بشدة أن نتوصل لاتفاق قبل نهاية الفترة الانتقالية".
اتهمت الحكومة البريطانية باتباع أساليب سيئة النية فيما تتفاوض مع بروكسل بشأن قضايا رئيسية مثل الدعم الحكومي وحقوق الصيد. وأكّدت الحكومة أنّ جوناثان جونس رئيس الدائرة القانونية للحكومة قدم استقالته.
وذكرت صحيفة "فايننشل تايمز" أنّ جونسون "مستاء للغاية" بشأن قرار إعادة كتابة بروتوكول حيوي متعلق بأيرلندا الشمالية في اتفاق "بريكست" يهدف في الأساس إلى تجنب العودة إلى عقود الاضطرابات التي تسبب بها الحكم البريطاني في المقاطعة.
وقال توبايس إلوود زميل جونسون في حزب المحافظين ورئيس لجنة الدفاع في مجلس العموم، لإذاعة "بي بي سي" إن خرق اتفاق بريكست يعني أن بريطانيا "ستخسر الأساس الأخلاقي".
وتساءل "كيف يمكننا أن ننظر إلى عيون دول مثل الصين (...) ونشتكي من انتهاكها للالتزامات الدولية تجاه هونغ كونغ أو روسيا بشأن الصواريخ الباليستية أو إيران بشأن الاتفاق النووي، إذا سلكنا هذا الطريق؟".
من جهته، أكد جونسون في مجلس العموم أن الأمر يتعلق "بحماية بلدنا من تفسير متطرف أو غير عقلاني للبروتوكول".
وشكلت مسألة تجنب عودة حدود مادية بين أيرلندا وأيرلندا الشمالية، جزءاً رئيسياً من الاتفاق لحماية اتفاقية الجمعة العظيمة لعام 1998 التي أنهت 30 عاماً من العنف المرتبط برفض الحكم البريطاني في المقاطعة.
وبموجب التعديلات الجديدة، تنوي بريطانيا انتزاع سلطات جديدة لتنظيم التجارة بعد بريكست تشمل أيرلندا الشمالية، في انتهاك لاتفاق الطلاق.
وتعهد مايكل مارتن رئيس وزراء أيرلندا البلد الأوروبي الأكثر تضرراً من حدوث "بريكست فوضوي"، بالحديث مع جونسون للإعراب عن "مخاوف قوية للغاية بشأن التطورات الأخيرة".
وكانت الولايات المتحدة وسيطاً رئيسياً لاتفاقية الجمعة العظيمة، لذلك يحذر الديمقراطيون من عواقب انتهاك لندن لاتفاق "بريكست" على إمكانية التوصل لاتفاق تجاري منفصل بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إذا تراجعت لندن عن التزاماتها تجاه الاتحاد الأوروبي.
وقال مستشار كبير للسياسة الخارجية لجو بايدن، منافس الرئيس دونالد ترامب في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني، إن المرشح الديمقراطي "ملتزم بالحفاظ على السلام والاستقرار الذي تم تحقيقه بشق الأنفس في أيرلندا الشمالية".
وكتب أنتوني بلينكين على تويتر "فيما تعمل المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي على ضبط علاقتهما، يجب أن تحمي أي ترتيبات اتفاقية الجمعة العظيمة وتمنع عودة الحدود المادية".
العربي